حوار ذ. مبارك الموساوي مع جريدة:
1- المفكر
المغربي مبارك الموساوي ومعتقل رأي سابق ليتعرف عليك القارئ أولا وماذا استفدت من
تجربة السجن؟
مبارك
الموساوي من مواليد 1967، نواحي مدينة مراكش (الرحامنة الجنونية)، باحث في الفكر
الإسلامي، خاصة فكر المرشد عبد السلام ياسين، رحمه الله.
أما
ما استفدته من فترة الاعتقال فكثير، والحمد لله، ومنه أن الظلم في جوهره نمر من ورق،
وأن العيش من أجل مبادئ سامية حياة
حقيقية.
2-من بين كتبكهم "الحركة الطلابية
الإسلامية، التاريخ والمصير"، كيف تنظرون للحركة الطلابية المغربية في الوقت الحاضر؟
مادامت
الحركة الطلابية مخلصة في تبنيها لقضايا الطلاب وخادمة لقضية أمتها في الوجود فهي
بخير، وعليها أن لا تسقط في فخ المعنى الجمعوي في حركتها ونضالها؛ فهي قوة في قلب
المجتمع، ولذلك فخيارها الوحيد، لتكون حركة طلابية، أن تحافظ على خط النضال
المجتمعي الشامل الذي لا يقبل إلا إنجاز واقع الحرية والكرامة والعدل الذي يضمن
الممارسة الحقيقية للعمل النقابي والتحصيل العلمي الجيد في إطار من التضامن والتعاون
بين كل فئات الأمة وطاقاتها خدمة لمستقبلها.
فعلى
الحركة الطلابية مسؤولية عظمى في الحفاظ على صفاء ووضوح قضية أمتها في اللحظات
التاريخية الصعبة مثل التي تمر بها الإنسانية اليوم .
3-كيف للحركة الطلابية الإسلامية أن تعمل وسط
واقع جامعي مميع وعزوف شبابي عن السياسة و العمل الجماعي؟
لاشك
أن هناك جهات متعددة يناسبها صناعة واقع التمييع والمسخ في الساحة الجامعية، خاصة
مع ضمور مستوى البحث العلمي وضعف نتائجه، وهذا أمر موجود وثابت وملازم للحياة
الجامعية، مما يعني أنه معطى واقعي ينبغي التعامل معه بكل رفق ورحمة وحكمة على
أساس أنه نتيجة، لذلك فالحركة الطلابية بتجاوزها خوض المعارك الهامشية، ينبغي أن
تخوض معركة بناء الوعي الحقيقي لدى الطلاب وأن تدرك أن التدافع الحقيقي مع مصادر
المسخ والتمييع، وهو ما يعني أن معركتها معركة استراتيجية مصيرية على خطوط متعددة
ومجالات وواجهات مختلفة ترجع كلها إلى قضية القيم السامية التي ينبغي أن تؤطر كل
فعل في الميادين.
وما
يراه الناس عزوفا عند الشباب ليس كذلك بل هو موقف واعي، وهو ما أكدته مناسبات
الحراك المجتمعي في الثورات العربية حيث ظهر على الساحة شباب كان يعتقد الكثير
أنهم غرقى موتى في بحر الشبكة العنكبوتية في حين هم قوة صامتة تنتظر الفرصة
التاريخية لتقوم بالواجب عليها حيث كان منها العدد الهائل من الشهداء والمعتقلين
والمصابين والمفقودين، ولذلك فعلى حركات التغيير والإصلاح أن تصنع هذه الفرصة
لتستثمر هذه القوة الصامتة الواعي التي فقدت الثقة تماما من السائد اليوم ومن كثرة
الكلام بلا عمل.
4-كيف
تنظرون إلى الميثاق بين الإسلاميين والعلمانيين والتوافق الممكن؟
هناك
فرق كبير بين فكرة الميثاق وفكرة التوافق. فما اسميه بحركة الميثاق هي حركة
تاريخية لها مراحل ومقاصد وغاية، في حين غالبا ما يكون التوافق لحظة سياسية لتدبير
مرحلة محددة لا تأخذ أي معنى إيجابي إلا إذا كانت خادمة لعملية التحول التاريخي
الذي يرعاها ميثاق جامع، ولذلك غالبا ما تنهار التوافقات حينما تفاجأ بما لم يكن
في الحساب السياسي خارج المعنى الميثاقي في ترتيب المواقف ومسالك العمل.
من
هنا يكون الميثاق المبني على وضوح وعلى مرأى ومسمع من الشعب هو الضامن للحفاظ على
وضوح العملية السياسية ومسارها بما هي لبنة في إنجاز التحول التاريخي المطلوب.
فالميثاق
عملية مجتمعية كلية ذات عمق استراتيجي مصيري لا تقبل أي درجة من الغموض الذي لا
ينفصل عن الخوف، وهذا يعني أن الحراك ابتداء يجب أن ينصب على توفير شروط الحرية
والاختيار الحر حتى تسطيع حركة المجتمع، بقيادة واضحة وصادقة ومبرهنة عن ذلك، أن
تحاصر كل مصادر الفساد والاستبداد وفي نفس الوقت تشيع معاني البذل والعطاء
والتضامن والتضحية الجماعية من أجل مستقبل تكون فيه العناصر السلبية على الهامش
ومحاصرة بالوعي واليقظة العامين لا العكس كما نشاهد اليوم حيث تحتل مفاصل الحياة
السياسية والاقتصادية والمالية وغيرها جامعة بين احتكار مصادر الثروة ومصادر
السلطة.
لقد
أثبتت الأحداث في دول ما سمي بالربيع العربي أن الدخول على المراحل الصعبة من
تاريخ الشعوب ينبغي أن يكون على وضوح وميثاق لا على غموض وإن كان معه حسن النوايا.
5- الربيع الشعبي هل نحن على الطريق نحو
الديموقراطية؟
سأكون
واضحا حينما أقول لك إنه لا مستقبل لما يسمى بالربيع العربي إلا إذا أخذ المعنى
الإسلامي، وهو ما أتبثه الأحداث المعيشة اليوم، إذ بغير هذا الوضوح ستدخل البلدان
العربية في واقع فتنوي عميق الأثر حيث هناك إصرار أن لا يمارس الإسلاميون الحكم بحرية
واستقلالية إلا خداما لأنظمة أكل عليها الدهر وشرب أو مستسلمين للمشروع الصهيوني
الصليبي الاستعماري التوسعي، وهو مايعني تصعيد حالة التوتر إلى أقصاها، خاصة لما
تكشف وقائع، كما في مصر، أن أناسا يضربون مبادئهم بعرض الحائط ويتحالفون مع العسكر
لإقصاء اختيار الشعب في الحكم، وبذلك نفرض حكم المؤبد من خلال تحالف السلطة والثروة
والمصالح الشخصية على إرادة الأمة، إنها ضربة قاصمة في صميم الحرية.
ولذلك
نحن أمام معضلة فكرية وسياسية حقيقية أن تقبل نخبة حكم العسكر ودستور الكواليس
بديلا عن إرادة شعب له تاريخ عميق وحضارة أعمق.
لكن
ما يثبته التاريخ أن إرادة الشعوب لا تقهر وأن لحظة الشدائد جامعة وأن مؤشرات
الوعي الحقيقي لدى هذه الشعوب بلغت ما يحميها من الانهيارات الساحقة ويجعلها قادرة
على تهميش العناصر السلبية في المجتمعات ومؤسساتها.
6- الشورى الديمقراطية أية تقاطعات باعتباركم
مفكرا إسلاميا؟
من
عوامل ما نعيشه اليوم من مأساة في الفكر والممارسة هذا الخلط الفظيع بين المفاهيم
والسياقات، مما ترتب عليه غموض شديد في كثير من مستويات التواصل والإبداع، ولذلك
يجب التمييز بين ما يمكن أن يكون مشتركا في الإنتاج البشري عبر التاريخ، وبين
المرجعيات.
ليس
هناك تقاطعات بين المفهومين إلا ما هو تقني، وهذا قد تسمح ظروف هذه الأمة أو تلك باكتشافه
خلاف أخرى، لأن لكل مفهوم سياقه وحمولته المرجعية. فمن العبث أن يقوم الإسلاميون،
مثلا، ويدعون الغرب إلى تبني مفهوم الشورى، لأن السياق الغربي في تدبير العلاقات
بين الحاكم والمحكومين وبين المحكومين فيما بينهم أشخاصا ومؤسسات اكتشف
الديمقراطية، في حين أن التجربة الإسلامية في بناء سياقها الخاص كانت الشورى. فعلى
هذا المستوى لا تقاطعات، أما في مستوى النجاعة في تدبير أنظمة الحكم والعلاقات وكل
أشكال التواصل فقد يكون هناك ما يجتمع فيه المفهومان، لكن لايعني هذا أن الواحد
يكون بديلا عن الآخر في سياقه الخاص به.
فالشورى
مثلا إذا جردتها من سياق حركة مشروع العدل والإحسان كما عاشه الرسول صلى الله عليه
وسلم والصحابة من بعده زمن الخلافة الراشدة لا معنى له، وسمه ماشئت إلا الشورى، لا
شورى مع ملك عاض أو جبري، ونفس الأمر بالنسبة للديمقراطية، لكن إذا عنيت
بالديمقراطية الاختيار الحر للشعب وتنظيم العلاقة بين السلط فهذا من صميم الشورى
ويجب أن نستفيد من الموروث البشري في هذا كما استفادت البشرية وعلى رأسها الغرب من
موروثنا، وإلا كنا عميانا. فالحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها أخذ بها بمعيار الإيمان
لا بمعيار آخر.
7-ما تأثير وصول العدالة والتنمية على شعبية
العدل والإحسان بسبب بداية فقدان الثقة في هذا الحزب؟
من
أهداف ما أسميه بعملية الالتفاف الثانية على إرادة الشعب المغربي -إذ كانت الأولى
لما التف النظام وحلفاؤه على رصيد الحركة الوطنية ومشروعها التحرري وتم تكريس واقع
الاستبداد المطلق والفساد المطلق الذي نجني جميعا حصاده السلبي اليوم- أن يُضرب
المشروع الإسلامي في الصميم حيث يزج به في تدبير مرحلة دقيقة؛ سياسيا واجتماعيا
واقتصاديا وحتى في إطار العلاقات الدولية، وتحتاج إلى تمرير قرارات واختيارات لن
يمررها إلا من لا نرغب في وجوده في المستقبل إلا جزء هامشيا في العملية السياسية.
لذلك
لايهمني الحديث عن فقدان الثقة من عدمه لأن هذه عملية سياسية جزئية لايعنيني فيها
الرابح من الخاسر إلا من جهة علاقتها بتكريس واقع الاستبداد من عدمه. إلا أن كل
المعطيات تؤكد أن عملية الالتفاف الأولى أقصت المشروع الإسلامي تماما من الساحة، في
حين تعمل الثانية على احتوائه وتدجينه وجعله رقما من الأرقام ولونا من الألوان بعد
ظهورة بقوة على الساحة، لذلك كثيرا ما يخطئ المحللون حينما يربطون بين حركة حزب
العدالة والتنمية وحركة المشروع الإسلامي.
ومن
هنا أقول، كباحث، أنه لاعلاقة البته ببين حركة مشروع العدل والإحسان في المجتمع
المغربي اليوم وبين العملية السياسية التي ينجزها الإخوان في حزب العدالة
والتنمية، ذلك أن حركة مشروع العدل والإحسان تنجز سياقها المتميز في الحياة
المجتمعية والسياسية وتؤسس لظروف الميثاق وبناء القوة المجتمعية المؤهلة لخوض
معركة التغيير والإصلاح الحقيقيين.
8-صراحة أن المتابع للعدل والإحسان يدرك غياب
خبرة في تسيير الشأن العام، هل الجماعة وجدت لتعارض؟
في
رأيي جماعة العدل والإحسان لم توجد لا لتدبير الشأن العام بالمعنى السياسي السائد،
لأن الخبرة في الباب لاشك أنها تكتسب وأن الشعب المغربي يزخر بالفضلاء النزهاء
الخبراء في الأحزاب والجمعيات، ولم توجد لتعارض إلى الأبد كذلك.
نعم
الفكر السياسي السائد هذا مبلغه في التصنيف السياسي والمجتمعي، لكن مشروع العدل والإحسان
من خلال جماعة العدل والإحسان يوفر فقها سياسيا مبنيا على تفكير سياسي تجديدي مبني
على معنى تجديدي في بناء الإنسان والمجتمع والدولة وحتى نظام العلاقات الدولية،
لذلك فرجال ونساء العدل والإحسان واعون جيدا بمهامهم المرحلية كما هم عالمون
بالمضمون السياسي الذي ينبغي أن يملأ كل مرحلة من مراحل التغيير والإصلاح.
العدل
والإحسان ليست حزبا سياسيا، ولن تتحول إلى حزب سياسي، وحتى ذراعها السياسي؛
الدائرة السياسية؛ لن تتحول إلى حزب سياسي، وإذا توفرت الظروف التي تضمن عملية
سياسية حرة ونزيهة، ولهذه المرحلة تعمل العدل والإحسان اليوم، أي توفير ظروف وشروط
الاختيار الحر للشعب المغربي، إذا توفرت هذه الظروف قد تنشئ الجماعة من خلال عمل الدائرة
السياسية حزبا أو تنظر فيما هو ممكن ومفيد ومناسب في تلك اللحظة انسجاما مع تصورها
للعمل السياسي.
فلن
تنتقل القيادة التاريخية أبدا ولا القيادة الدعوية على الإطلاق إلى ممارسة التدبير
اليومي للعمل السياسي، لأن الشعب المغربي عامر بالفضلاء النزهاء الخبراء الذي
سيتصدون لهذا الأمر حيث الأمة كما هي في حاجة مصيرية لمن يدبر أمرها اليومي في
الشأن العام فهي كذلك في ضرورة مصيرية لوجود من يرعى قضية وجودها ويحرص على بناء
قواعد ذلك في قلب المجتمع ومؤسساته ولن يكون هؤلاء إلى العلماء والمفكرون
والباحثون الذي يتفرغون للمستقبل وقضاياه كما هو متفرغ المدبر اليومي للشأن اليومي
على تناغم وتكامل ووضوح.
إننا
بهذا أمام عرض متجدد يحتاج إلى فهم دقيق للفعل السياسي الذي تنجزه جماعة العدل
والإحسان على قواعد الرفق والحلم والتؤدة.