ما بعد 20 مارس 2011
استطاعت حركة 20 فبراير والقوى الداعمة لها في ظرف شهر أن تحقق ثلاثة أهداف مركزية:
الأول: تنظيم صفوفها أكثر مما فوت على النظام "بلطجة" الاحتجاجات و"بلقنتها". كما أشهر أنه لحد الآن هناك قيادة تتشكل مرحلة بعد مرحلة وتتطور في أدائها وقيادتها لعملية الاحتجاجات التي تعبر عن أفق تغييري باتت أبعاده تتضح أكثر خاصة بعد الخطاب الملكي.
الثاني: توجيه رسالة قوية لبعض السياسيين والمثقفين والفنانين والإعلاميين مفادها أن حركة 20 فبراير حركة واعية إلى أبعد الحدود وواضحة الأفق النضالي، وأن من اعترض عن وجودها أو هون من قوتها لم يكن في الموعد مع التاريخ وحركة التاريخ لاترحم إذ تتجاوز العراقيل مهما كانت وفي الوقت المناسب.
الثالث: وجهت رسالة قوية وواضحة للنظام السياسي مفادها أن زمن الهروب إلى الأمام من طرف النظام لم يعد ممكنا نظرا لفرامل الوعي السياسي والاستعداد النضالي الجهادي الذي أصبح يؤطر حركة الشباب في المغرب. وأن زمن العطايا والمنح قد ولى إلى غير رجعة.
إن الاستماع لصوت الشعب في هذه اللحظة التاريخية كما هو وبما ينطق مسألة حياة أو موت.
كما كشفت تظاهرات ارتباك الجهات المعنية في تدبير التعامل الأمني من حركة الاحتجاجات المتصاعدة والمتفاعلة، إذ في ظرف شهر جرب النظام ثلاثة أشكال لم تفلح في التمويه والتشويه والتعتيم:
فقد جرب "البلطجة" في مظاهارت 20 فبراير والصور والأفلام تثبت ذلك، ولكن لم تفلح هذه الطريقة في تخويف وإرعاب وإرهاب الشعب من أن يخرج في ما بعد. كما جرب الهجوم الأمني الكاسح في ما بعد لكن في 20 مارس خرج الناس غير مبالين بما إرهاب المخزن. كما جرب التعتيم الإعلامي، كعادته، في التقليل من أهمية المظاهرات ومحالات إثارة النعرات كما فعل من خلال رفع اتهام جماعة العدل والإحسان بالهيمنة على المظاهرات وممارستها العنف في مدن شتى كمراكش وخريبكة، وهو ادعاء يعلم الجميع مدى مخالفته للحقيق.
فجماعة العدل والحسان من القوى السباقة لدعم حركة 20 فبراير وهي تشارك في كل مظاهراتها وتقدم خبرتها في التنظيم والتعبئة لتفادي كل انزلاق قد يحرف مسار الحركة، وذلك لكون مطالب 20 فبراير منسجمة تماما مع ما كرست الجماعة جهادها لتحقيقه وأدت ثمنا باهظا على ذلك، فأن تلتقي مطالب حركة 20 فبراير مع مطالب حركة العدل والإحسان فذلك لا يعني أن هذه الأخيرة ترغب في الاستحواذ والاستفراد بل تدلل كل الوقائع أن الجماعة ترغب في مشاركة الجميع في تحمل مسؤولية التغيير والإصلاح الحقيقي في المغرب وذلك منذ وجودها ولعل فكرة الميثاق التي دعت الجماعة إليها منذ قيامها والتي بدأ الوعي السياسي في المغرب يدرك أهميتها وجدواها في الظروف القائمة.
أما دعوى العنف فالجميع، بما فيهم النظام وأجهزته الأمنية، يدركون أن جماعة العدل والإحسان أحرص الناس في الدنيا على الرفق والحلم والرحمة والتؤدة والتدرج ورفض العنف والغموض والخوف مطلقا.
إن مظاهرات 20 مارس 2011 التي عمت أغلب وأهم مدن المغرب والتي جاءت بعد الخطاب الملكي وبعد الحملة الإعلامية التي واكبته وواكبت تشكيل لجنة التعديلات الدستورية، تكشف على أن المغاربة قد نهضوا في اتجاه التغيير الحقيقي وأن الالتفاف على هذه النهضة لن يزيد الأمر إلا تعقيدا وغموضا، لذلك يجب تحقيق الأمور التالية:
1-الاستمرار الواعي والمنظم في بناء واقع الاحتجاجات وتوسيع مواقعها واستقطاب كل غيور وراغب في التغيير والإصلاح الحقيقي.
2-الاستمرار في بناء قيادة التغيير دعما لمطالب حركة 20 فبراير لتلتحم هذه القيادة في درجة هامة من الوعي مع لحظة التغيير المطلوب والممثل لإرادة الشعب المغربي الذي بدأ يتحرك بقوة اتجاه سياق حركة 20 فبراير لما بدأت تأخذه من مصداقية وثقة عامة.
3-الاستمرار في بناء نظام المطالب الشعبية وتدقيق سقفها تفاديا لأي اختلاف في اللحظات الحرجة التي تواكب كل عملية تغيير تعنى بواقع سياسي معقد إلى أبعد الحدود.
4-الانتباه إلى أن النظام لم يوظف لحد الآن إلا اليسير جدا من أوراقه لإجهاض حركة التغيير التي أصبحت واقفة بقوة واقتراح أمام كل مؤسسات الحكم.
5-الاستمرار في الرفع من مستوى الأداء الإعلامي والتغطية الإعلامية محليا ودوليا لأجل صناعة الرأي العام الإيجابي اتجاه هذه الحركة التغييرية.
6-الانتباه إلى عدم جر هذه الحركة التاريخية إلى هوامش المعارك خاصة الإعلامية منها لأن اللحظة ترفض ذلك جملة وتفصيلا وفي نفس الوقت يجب الاشتغال على القضايا الكبرى والمحورية التي تدفع بقوة وحكمة في خدمة مطالب الشعب المغربي في التغيير والإصلاح الحقيقي.
وهكذا، فقد تبين بعد 20 مارس 2011 وكما أكدنا ذلك في مقال "أفق التغيير في المغرب بعد 20 فبراير" أن النظام السياسي في المغرب أمام خيارين:
1-التراجع إلى الوراء وتفويض السلطة للشعب بعد رد كل مظالمه السياسية والاجتماعية وغيرها وفق خطة تكون فيها الأمة حاضرة ومراقبة ومحاسبة وليس على طريقة طي صفحة الماضي من خلال تعويضات مالية.
2-التشبث الأعمى بالمواقع، وهو حتما سيؤدي إلى مواجهة حتمية بين إرادة التغيير وإرادة مقاومته والتشبث بالمواقع السياسية والمالية والاقتصادية، ولاشك أن هذا الخيار سيؤدي إلى مهالك كثيرة في معيار النظر المجرد وإن كانت بمعيار التغيير الشامل أمر لابد منه، لأن ساعتها تكون حركة التغيير في موقع لا يقبل نهائيا الوقوف في منتصف الطريف.
فهل يسمع المعنيين بالأمر لصوت الشعب المتصاعد أم يصموا الآذان، ساعتها يكون الطوفان قد وصل حدا لا يمكن إيقافه؟
فليعتبر العاقلون من التاريخ ومما يجري حولهم إن كانوا عقلاء فعلا، أما من أعمته السلطة والجاه والثروة وقرر القتال حتى آخر لحظة فليعلم أن حركة التاريخ العظمى لا ترتهن لإرادة الأفراد، لأن عمقها متساوق ومتطابق ومتوافق كليا مع إرادة الشعوب في الحرية والعدل والكرامة والأمن والاستقرار والاطمئنان.
والموعد الصبح أليس الصبح بقريب
مبارك الموساوي