نهاية الحركة الإسلامية بمعناها التقليدي
سيشكل ما سمي بالربيع العربي علامة فارقة في تاريخ الأمة
العربية والإسلامية.
وإلى أن تؤكد أبحاث "أرشيفاتهم وتاريخنا" أنه
في البداية لم يكن هذا "الربيع" إلا مرحلة من مراحل المؤامرة الشاملة،
الصليبية الاستعمارية الصهيونية التوسعية، اتجاه الوطن العربي باعتباره موقعه في
مسار الأمة الإسلامية تاريخيا وجغرافيا، لكنها مؤامرة فشلت بعامل تدخل الإرادة
الشعبية من خلال شباب الأمة الذي لم تسعفه طبيعة القيادات القائمة وتنظيماتها حينها
من استثمار الفرصة والشروع الجذري في بناء مراحل التغيير الحقيقي والذهاب بها إلى
مداها.
إلى ذلكم الحين، وهو قريب جدا، بل ملامحه الواقعية ظاهرة
جدا؛ من انقلاب مصر المنتصر بعامل فقد الوعي الجمعي بالذات، إلى انقلاب تركيا الذي
أنهته الإرادة الشعبية الواعية بالذات ومصالحا الحقيقية في المهد، مرورا بانهيار
الدولة والسلطة والمجتمع بسوريا والعراق واليمن وليبيا بدرجات مختلفة أبشعها سوريا حيث منذ البداية
رفع الأسد وحلفاؤه بكل وضوح شعار "تنهار الدولة والمجتمع ويبقى النظام"،
إلى ذلكم الحين أكرر ذكر النهايات التي كانت لحظة هذا "الربيع" علامتها
الفارقة، كما أذكر بالبداية الكبرى للبناء عليها.
فالحضور القوي للإرادة الشعبية، على علة نوع القيادة
السياسية والمجتمعية في المرحلة، كان عامل حصول أربع نهايات.
1.انتهاء زمن الحكم عبر نظرية المستولي بالسيف، ومن ثمة
سيحصل، عبر مراحل، تهافت كل الفكر والاجتهادات المبنية عليها والمبرر لها، وكذلك
ستتهاوى كل التنظيمات العاملة لأجلها مع مرور الزمن وحسب درجات الوعي بطبيعة
البداية الكبرى.
ومن تبعات هذه النهاية دخول الأنظمة الوراثية في مرحلة
العد العكسي لنهايتها، وما سيسرع أو يؤجل نهايتها درجة الوعي الجمعي لدى عموم
المواطنين الذي من مقتضاه أن لا مساومة على الحرية والكرامة والعدل لكل الناس.
2.نهاية مراحل الاستلاء على الحكم والاستقرار فيه عبر
مبدأ الانقلابات العسكرية والأمنية، وكل من فكر بهذه الطريقة إنما ذلك انتحار فردي
أو جماعي، وذلك راجع إلى درجة الوعي التي اصبحت تنظم نظام التفكير والواقع النفسي
لدى عموم المواطنين، ومنها إدراكهم أن حكم العسكر كارثة إنسانية وسياسية لا حدود
لفظاعتها.
3-نهاية نظرية ولاية الفقيه التي اعتمدها بعض إخواننا
الشيعة في بناء التجربة الإيرانية الحديثة، وذلك لما اختصرت كل اساليب تعالمها مع
الأخر في العنف الشامل، ولعل اعتمادها المنطق العسكري في مواجهة الانتفاضات
العربية غير الموالية لها خير دليل على انحسارها معرفيا وحركيا.
4. نهاية الحركة الإسلامية بمعناها التقليدي، أي كما عُرفت منذ انهيار الحكم العثماني وتأسيس "جماعة الإخوان المسلمون" على يد الشيخ الجليل والرباني الكبير حسن البنا رحمه الله وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.
لقد كان ما سمي بالربيع العربي علامة فارقة على نهاية
كبرى، وأن عدم الانتباه إلى هذه النهاية سيجعل من حركة الأمة تدور في حلقة مفرغة، وقد
تكون عديمة الفائدة.
إنها
لقد أبلت تجربة "الإخوان المسلمون" البلاء
الحسن وساهمت مساهمة عظيمة وجليلة في نهضة الأمة العربية والإسلامية الحديثة، لكن
ما يهمنا هنا هو التأكيد على أن جماعة "الإخوان المسلمون"، ولضمان
استمرار هذه التجربة وتطويرها، عليها أن تعي جيدا أن هذه الجماعة وباقي الحركات
الإسلامية لم تعد على واقعها التاريخي هو ما تطلبه المرحلة والمستقبل.
الحركة الإسلامية بمعناها التقليدي تصوريا وحركيا وتنظيما
لم تعد مناسبة للمرحة، وهنا أدعو إلى انفتاح الجميع على اجتهاد الإمام عبد السلام
ياسين، رحمه الله، في بناء العمل الإسلامي علميا وحركيا وتنظيميا.
فلم يُستثمر من هذا الاجتهاد إلا النزر اليسير فكيف
بمحاولات القفز عليه !!!!!!
ليس هذا تعصبا، بل فقط مجرد راي في مرحلة
تاريخية من تاريخ الأمة والإنسانية، والإمام عبد السلام ياسين علم جيدا اجتهاد
الإمام البنا وبنى عليه، لكن في إطار اجتهاد كلي تجلى في اكتشاف المنهاج النبوي.
أما البداية، فهذه النهضة الإرادية الشعبية للأمة وهي
بداية مشرقة، لأن إرادات الشعوب لما تلتحم مع إرادة القيادة الجامعة لا تقهر وهي
منطلق صناعة التاريخ وبداية تغيير وجه العالم، وفق قاعدة "وما أرسلناك إلا
رحمة للعالمين".
إن زمن الأمة قد بدأ فالفعل ومن تخلف عنه فإنما لجهله
بطبيعة التحولات العميقة في كيان الأمة وجوهر حركتها، ومن أهم تجليات هذه البداية
حصول تحول جذري في أنظمة التفكير وقواعده لدى النخبة المثقفة والعالمة حيث سيحصل
الشروع في التخلص من التفكير عبر تركة الانكسار التاريخي والاستعمار الصليبي
الصهيوني.