هل تتـــــحول حركة 20 فبرايــــر
من حركة احتجاجية ضاغطة
إلى حركة ثورية تغييرية؟

1.بين الاحتجاج والثورة

إنه سؤال جوهري في إطار بناء الإستراتجية النضالية لحركة 20 فبراير. وقبل البحث في تقدير جواب واضح عن هذا السؤال الكبير، لابد من التأكيد على معنى الثورة هنا: إنه باختصار نهضة عامة للأمة، والتي ترفض أي صورة من صور العنف مهما كان حجمها ومهما كانت نتيجتها، وذلك لتقويض الاستبداد حتى إزالته وإقامة حكم العدل والحرية والكرامة من خلال مراحل تُحدِّد مدتَها المعطيات الميدانية لكل مرحلة من الزحف نحو الحرية (تجربة مصر القائمة اليوم). ومن نتائج هذه النهضة حصول مزايلة شعبية ومفاصلة حركية وتصورية بين أهل الثورة وبين مقاوميها حتى يستثب الأمر على قواعد ثورية تغييرية واضحة تهيئ الشروط السياسية والفكرية والنفسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية للبناء الكلي والمصيري. ومن ميزاتها كذلك أنها في لحظات دقيقة تستقطب كوادر مجتمعية هامة من شخصيات ومؤسسات مؤيدة بصدق لها ولأفقها حتى تصبح قضية كل الأمة وعلى مضامينها تجتمع.

أما المقصود بالاحتجاج، فهو اعتماد أسلوب الضغط بكل أشكال الاحتجاج المتاحة مع مبدأ رفض العنف مطلقا في أفق دفع الحاكمين إلى تنازلات وإصلاحات معينة، وهي الصورة التي عليها جميع الاحتجاجات التي تعم المغرب وتتكدس في شوارع الرباط العاصمة مع تمايزات واضحة في مستوى سقف المطالب. وما ينبغي الإشارة إليه هنا أن التجارب أثبتت في المغرب أن موازين القوة لحد الآن تجعل هذه التنازلات جزئية ومقدرة وفق منطق توازني سياسي واجتماعي تتحكم فيه مبادرة القصر وحلفائه تخطيطا وتنزيلا وتكون الهيئات السياسية والمجتمعية مجرد مشارك ثانوي، مما يحيلها (التنازلات) إلى عوامل قوة ضمن إستراتجية تَحَكم النظام واستمراره (كيفيات صياغة وبناء وتنزيل الإصلاحات الدستورية الحالية وغيرها)، دون أن نغفل أن الاحتجاجات الجزئية القطاعية الحالية لايجمعها أفق واضح إلا الجو العام المُطالب بالتعيير، وهو وضع يجب الخروج منه باعتماد آليات تواصلية ونضالية متجددة تجعل هذه النضالات جزء هاما ضمن حركة 20 فبراير. أي أن واقع التحالفات الميدانية في حركة 20 فبراير ما زال يحتاج إلى جهد كبير تصوري نفسي وحركي ميداني وسياسي يستطيع أن يدقق في المفاهيم المركزية الجامعة للحركة وتصوراتها وأفقها، وهو عامل قوة كبير.

ومن هنا فمابين الاحتجاج الضاغط والنهضة العامة بناء القوة المجتمعية القادرة على قيادة التغيير وإنجاز مطالبه من خلال تحقيق الحالة الثورية (النهضة العامة الرفيقة والشاملة). أي بجعل الواقع الاحتجاجي الضاغط خطو هامة ولبنة داعمة في بناء المسار الثوري للحركة المجتمعية عبر بناء الوعي الجماعي الذي يتحول إلى عقد سياسي اجتماعي جامع خارج من صميم قلب حركة الأمة وهي راعيته ومتابعة مساره ومراقبة إنجازاته.

2-تحول حركة 20 فبراير إلى حركة ثورية جذرية.

تعتبر حركة 20 فبراير إضافة نوعية في وقتها في بناء القوة المجتمعية العاملة على التغيير، ولاشك أن هذه الإضافة كانت في سياق عمل سياسي ومجتمعي في المغرب مقبوض ومحكوم بقواعد "نظامية" متجذرة في الحياة السياسية والاجتماعية والمالية وغيرها في المغرب. (انظر مقال أفق التغيير في المغرب: http://www.aljamaa.net/ar/document/40517.shtml).

لذلك فهي حركة ضمن سياق تميز بخاصية انكماش العمل النقابي المجتمعي، وظهور خاصية النضالات الجزئية حول مطالب اجتماعية أو حقوقية أو سياسية في غياب قيادة مجتمعية واضحة ومتماسكة قائدة للمعارضة على أرضية واضحة الأهداف والوسائل. ومن ثمة هيمنت الصفة الاحتجاجية الضاغطة على حركة 20 فبراير بداية على الرغم من قدرتها على إعلان سقف مطالبها السياسية الدائرة على "الشعب يريد إسقاط الاستبداد" علما أن هذا الشعار نفسه تكتنفه درجة هامة من الغموض يجب أن تزيحه الأيام والشهور القادمة مساهمة في بناء الاستراتيجية النضالية الواضحة.

وهو ما يجعل السؤال عنوان هذه المقالة مشروعا للمساهمة في بناء وضوح الأفق النضالي للحركة.

وللإجابة عن هذا السؤال لابد من الإجابة عن سؤال مقدمة: هل المشكل الحقيقي يكمن في طبيعة النظام الاستبدادية أم النظام نفسه كخيار مرتبط بظروف تاريخية عاشها المغرب في إطار تقلبات "دول" وليس نظاما اختاره الشعب عبر طرق الاختيار الحرة، مثل ثورة شعبية أو استفتاء حر أو انتخابات نزيهة، ولم يعد نهائيا منسجما مع المرحلة التاريخية من حركة الشعوب ومستقبل الأمة وموقعها ووظيفتها التاريخيتين؟

نحن أمام بنية نظام سياسي معقدة جدا ومتعددة الأبعاد ومتشابكة المصالح، ولذلك عبر تاريخ النضال المغربي لم تتحقق اختراقات هائلة لهذه البنية لتحجمها وتقوضها، بقدر ما تتحالف قوة هذه البنية مع معطيات كل مرحلة دولية لتزيدها قوة وتماسكا، وفي نفس الوقت يتم تجاوز الشكل النضالي ومنطقه في التحليل وبناء استراتيجيته التحررية.

إن الطامة الكبرى في العمل السياسي المغربي هو حين يستطيع النظام السياسي القائم تحويل الفعل النضالي المجتمعي إلى عملية هامشية ثم مبتذلة وسخيفة لينهار هذا الفعل النضالي من تلقاء نفسه مع مرور الزمن.

ولذلك كان خيار المقاومة والبناء من خارج قواعد اللعبة النظامية خيارا مصيريا واستراتيجيا لاتزيد أيام النضال المغربي مع حركة 20 فبراير إلا تأكيده، لأن هذا المجال (خارج قواعد اللعبة) يوفر حصانة منيعة وممانعة شديدة للفعل النضالي ومشروعه المجتمعي من الاختراقات الكبيرة والحادة التي تميز كل عمل يقوم به النظام في كل المجالات والمستويات.

لذلك لايهم حجم الفعل النضالي في اللحظة بقدر ما يهم مدى تخلصه وتطهره من لوثة النظام السياسي وأثر قواعده النظامية، وامتداده (الفعل النضالي) في المستقبل نحو بناء قواعد الحرية الحقيقية التي تصنع الموجة العارمة الآتية على الباطل من أساسه وفق وعي استراتيجي مصيري يبني مراحل متكاملة.

وهو ما يكشف أن المعضلة لا تكمن في الطبيعة الاستبدادية للنظام فقط، بل في النظام نفسه كبنية متكاملة ليست وليدا طبيعيا لحركة الأمة بقدر ما هي إفراز أزمة عميقة وجذرية في لحظة تاريخية مر منها الشعب المغربي.

وما ينبني على هذا التحليل سؤال ثان: هل إذا زال الاستبداد لاإشكال في النظام السياسي؟ وهو سؤال يؤشر على أن ماهية الاستبداد يمكن أن تنفصل عن ماهية النظام السياسي، أي حين تحصل هذه المفاصلة بينهما فستحصل لصالح تحوله (النظام) إلى نظام الحرية الذي يمكن من ممارسة ديموقراطية حقيقية وفق اختيار الشعب لا عبر قوالب القواعد النظامية الحاكمة اليوم في تفاصيل العملية السياسية والمجتمعية.

بمعنى أن سقف المطالب السياسية سيحدده الحسم في هذه القضية؛ هل معضلة المغاربة الاستبداد فقط أم نظام سياسي متكامل البنية وموحد الماهية؟

إننا لا نتحدث عن المعنى التكتيكي لحركة 20 فبراير بقدر ما نحاول الكشف عن الأفق النضالي، سواء في بعده التصوري أو الحركي. ولذلك فالاشتغال على أرضية إمكانية الفصل بين الاستبداد والنظام لن يكون نفسه على أرضية أن النظام السياسي نفسه الاستبداد وهما ماهية واحدة تشكل مصدر المآسي التي يعيشها وعاشها الشعب المغربي.

ومعنى هذا أن خطاب الرهان على الضغط من أجل إصلاحات سياسية ودستورية، والرهان على قضايا وتفاصيل فصل السلط واستقلال القضاء لن يكون إلا خطابا مضيعا للوقت الذي ضاع منه الكثير الكثير الكثير.

لذلك فستكون حركة 20 فبراير ميزة في لحظة تاريخية حينما تراهن على منطق الإصلاح في بناء استراتيجيتها النضالية ما لم يتخذ القصر مبدارات حقيقية تجعل الجميع يتيقن أنه سيتراجع إلى الوراء إلى أبعد الحدود ويترك الشعب وقواه الحية تدبر المرحلة الانتقالية وما تليها من مراحل وفق إرادة شعبية جامعة لكل عناصر القوة والاقتراح والبناء الجامع المصيري.

معنى هذا أن حركة 20 فبراير لاينبغي أن تراكم أي مستوى من الغموض في تصوراتها ومواقفها واستراتيجيتها، لأن الغموض عدو التغيير والإصلاح الحقيقيين.

نرجع إلى صلب الموضوع، لنؤكد أنه لا تغيير في المغرب ما لم تحصل نهضة شعبية واعية تستطيع أن تدفع إلى الهوامش كل السلبيات النصالية العبثية والعنيفة وتجمع الأشكال الاحتجاجية الاجتماعية والسياسية والحقوقية والإعلامية وغيرها لتدرجها وفق وعي سياسي استراتيجي مصيري والذي لم تتعود عليه كثير من نخب النضال اليومي والمناسباتي الذي تفرضه حاجة معينة أو ضرورة قصوى غالبا ما تكون فئوية محدودة.

هنا لابد من شروط ا÷مها:

1-على حركة 20 فبراير أن لا تغمرها فقط وظائف القيادات الميدانية ومن يشتغل معها من قواعد، بل يجب أن تفرز قيادات وسطى مهمة ومتمرسة وقيادات عليا تسهر على ضبط وإحكام عملية ووظيفة قيادة التغيير وضبط مراحله ومفاهيمه الكبرى ومدى امتدادها في صناعة الوعي الضروري والإرادة العاملة.

2-لتتحول حركة 20 فبراير من حركة جزئية ذات مطالب سياسية عالية إلى حركة مجتمعية ناهضة، علينا أن ندرك أن صناعة التحالفات المجتمعية مسألة حياة أو موت، ولذلك فكيفيات اندراج النضال الاجتماعي (نضال من أجل مطالب اجتماعية جزئية) ضمن استراتيجية نضالية نهضوية تحررية شاملة، حتى لا يقضي المغاربة حياتهم من أجل فتاة الحياة، من أعظم المهام التي على كاهل حركة 20 فبراير انجازها، لأنه المدخل إلى التحرير لتستفيد الأمة من ثرواتها وإمكانياتها المتنوعة وتحل مكانتها الدولية.

وهكذا تصبح حركة 20 فبراير قطبا مجتمعيا سياسيا فكريا جامعا يقود عملية التغيير على أسس واضحة.

3-ليست وظيفة إعلام حركة 20 فبراير ولا الإعلام المتعاطف معها والمؤيد لها نقل المعلومة وترويجها فقط على مالذلك من أهمية بالغة، ولكن عليه أن ينخرط جملة في صناعة فضاء تواصلي لبناء الرأي والموقف العامين وتوفير الإمكانية الإبداعية في كليات وجزئيات النضال اليومي للحركة وعناصرها البشرية والإعلامية والفكرية وغيرها بما يوفر لها كفاء الاختراق للواقع العام وقوة ممانعة ضغوطاته مهما كان نوعها وحجمها.

وهكذا تستطيع حركة 20 فبراير أن تنتقل من حركة احتجاج ضاغطة إلى قوة اقتراحية هائلة تصنع جزئياتها الثورية التغييرية على أرض الواقع لتدفع جزئيات الفعل السياسي الذي يرعاه النظام إلى الهوامش، ذلك أن نظاما يشتغل من خلال كليات ويبني جزئيات لن تؤثر في بنتيه أفكارا جزئية أو أفعالا جزئية، لابد من حركة كليات من خراج قواعد اللعبة النظامية تصنع جزئياتها على أرض الواقع في عملية تدافع شاملة. ولاشك أنه المسار الحتمي لحركة 20 فبراير ما لم يتخذ القصر من المبادرات ما يحتم غير هذا الخيار.

إننا في لحظة تاريخية تقتضي إما تراجع القصر إلى الوراء إلى أبعد الحدود أو زحفا شاملا لن يترك جزئية استبدادية إلا أزاحها وفق وعي سياسي استراتيجي نضالي ينهض الشعب ويحتضنه هذا الأخير حتى النهاية فقد بات واضحا أن الشعوب عاملة بالثمن الذي يجب تقديمه من أجل الحرية.



مبارك الموساوي