العدل والإحسان وتوقيف المشاركة في حركة 20 فبراير.. رسالة الوضوح والإضافة النوعية


-1-
مازالت القواعد المعتمدة في تقييم وتقويم تجربة العدل والإحسان السياسية تخضع لقواعد تقليدية في العمل السياسي، ومن ثمة يعجز كثير من الباحثين عن استكناه عمق هذه التجربة وكشف قواعدها الأساسية واستشراف أفقها؛ وهو ما يدعو إلى مزيد بحث وقراءة موضوعية لمفاهيم الجماعة وأدبياتها ومواقفها السياسية من العملية السياسية في المغرب.
ولاشك أن الظرفية والسياق الذي قررت فيهما الجماعة توقيف مشاركتها في حركة 20 فبراير يدعو إلى تأمل موضوعي للكشف عن طريقة ومنهجية العدل والإحسان في الدفاع عن المصلحة العامة وعن المرجعية التي تؤطرها في ذلك.

-2-
إن دعم العدل والإحسان لحركة 20 فبراير مبدئي وليس تكتيكي. فبقدر ما يخدم هذا الدعم مبدأ الجماعة في صناعة أي فرصة ليتمتع الشعب المغربي بحريته الحقيقية أو يشكل مقدمة لذلك فستكون أول الداعمين والمضحين والباذلين بكل نكران للذات.
وفي نفس الوقت وبالقدر نفسه، فحينما يصبح ذلك تحريفا أو انزلاقا نحو ترجيح أهداف خاصة غير خادمة لمصلحة الشعب المغربي في كسب حريته أو مقدمة لذلك، فستكون الجماعة أول مقاطع وستتعامل معه بالحكمة اللازمة.
ولعل مسار الجماعة مع حركة 20 فبراير إلى الآن كاشف بوضوح عن ذلك، حيث لما كانت المطالب الشعبية الحقيقية مرفوعة كانت الجماعة سباقة للبذل والتضحية والريادة في ذلك، لكن لما صارت الخطابات تتجه نحو جعل حركة شعبية تاريخية ترهن نفسها بسقف يعتبر الارتهان به وصاية كبرى لا تقل خطورة عن وصاية الاستبداد القروني على الأمة ومستقبلها، أصبح من المسؤولية التاريخية ممارسة سلوك سياسي كاف للعمل على رد المياه إلى مجاريها. ذلك، وكما أكدنا في مقالات سابقة، أنه لن توقع الجماعة على صورة من صور النظام السياسي تفرض على الأجيال القادمة نمط حكم وصورة تحكم: نحن واجبنا أن ننجز واقع الحرية الحقيقية وللشعب وأجياله مسؤولية تقدير نظام حكمهم ومن يحكمهم، فالحرية أولا.

-3-
سيعتقد الكثيرون أن تولي حزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة في المغرب سيشكل حرجا للجماعة لكونها تصطف في موقع المعارضة الجذرية للحكم في المغرب، ولذلك فحراكها من خلال 20 فبراير لم يعد مناسبا، والحقيقة أن ملف العدل والإحسان من حيث هي قوة مجتمعية وسياسية اقتراحية ستجعل قيادة حزب العدالة والتنمية في حرج في كيفية تدبير ملفات حقوقية وسياسية، تعني العدل والإحسان وغيرها من القوى المتضررة من القبضة الاستبدادية للقواعد النظامية على العملية السياسية في المغرب، مما جعلها فاسدة فسادا مطلقا.
نعم، إن الموقف الجذري في التغيير الذي تتبناه الجماعة سيحرج قوى اختارت العمل من داخل هذه القواعد النظامية القرونية، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية المشكل للحكومة الساهرة على تنزيل دستور 2011، والحرج هنا ليس مرادا لذاته، لكن المسؤولية التاريخية تجعلك في أحيان كثيرة صارما حتى مع أقرب الناس إليك، ولذلك فمرده لا إلى طبيعة الموقف الذي تتبناه الجماعة، بل إلى نوعية المطالب وجديتها ومصداقيتها وشعبيتها، والتي ترفعها الجماعة مع قوى المعارضة الجذرية، حيث سيكشف هذا الوضوح في رفع هذه المطالب والتحرك لأجل تحقيقها عن هشاشة الإنجاز الحكومي في سياق دستوري همه تكريس الاستبداد القروني الذي يروم إطلاق مرحلة التفاف هائلة على الحراك الشعبي.
ومن ثمة فسقف الحراك الشعبي مفتوح بناء على إرادة الشعب في التغيير دون وصاية، وذلك من خلال صناعة وتفعيل وسائل نقاش مجتمعي كبيرة تغطي المستوى الفكري التصوري المرجعي كما تغطي مستوى إبداع الوسائل الميدانية في الحراك، وبذلك نهيئ للحظة اختيار حرة وكاشفة للمواقع والمواقف والأحجام لا تضيع الوقت في النقاش الذي لا يستثمر الفرص، ولذلك كانت دائما تلاحظ جماعة العدل والإحسان ملاحظات دقيقة على نوع النقاش المصاحب لحركة 20 فبراير بكل ما تقتضيه الحكمة.

-4-
كشفت انتخابات 25 نونبر 2011 على أن النظام يريد حزب العدالة والتنمية لغرض في نفس يعقوب وأن الشعب يريد الإسلام. وهو درس مهم للتمييز بين إسلام رسمي وإسلام حقيقي وفكر سياسي مبني على منطق التبرير القروني المتحالف دوما مع الاستبداد القروني.
ومن المعلوم أن جماعة العدل والإحسان سباقة بحكم وعيها السياسي الاستراتيجي والمصيري إلى الدعوة إلى مزاولة كامل الوضوح في عرض القضايا المصيرية للشعب المغربي على كل المستويات وفق عملية بناء مجتمعية وسياسية تؤهل لبناء نظام سياسي مبني على العدل والحرية والكرامة. ولذلك كانت دعوة الميثاق التي رفعتها الجماعة في وقت اعتبرها البعض حلما وكلاما في غير سياق وكشفت الأيام على أنها قضية حياة أو موت لدى الشعوب العربية والإسلامية اليوم وغدا.
ومن المعلوم أن الميثاق بالمعنى الذي تحدثت عنه الجماعة وعرضت كلياته الفكرية على الجميع يتأسس على عملية "اصطفاف" مجتمعي واضح تكون فيه مرجعية الشعب المغربي والموقف من الاستبداد والفساد معيارين حاسمين، إذ لا مساومة على مرجعية المغاربة الإسلامية ولا مساومة على حق الشعب المغربي في الحرية الحقيقية، لأن قبول أي نوع من المساومة في الباب يعتبر تزوير تاريخي في حق شعب أبان عن تشبثه بمرجعيته كلما أتيحت له الفرصة.
وذلك ناتج عن وعي بأن عملية الاصطفاف المجتمعي عامل استقرار هام في بناء عملية سياسية واضحة، ومن ثمة فإن توقيف المشاركة في حركة 20 فبراير يعتبر عملية سياسية ومجتمعية هامة وهائلة لتصحيح مسار العمل التغييري وتنظيم عملية الاصطفاف على وضوح، لأن أي تراكم نضالي يعدد مواطن الغموض في بناء الاستراتيجية النضالية بعيدا عن مرجعية الشعب المغربي سينتج عملية وهمية، ومن ثمة تموقعا سلبيا في مواجهة قواعد الاستبداد والفساد القرونية.

-5-
إن جماعة محاصرة كان من الأولى أن تبقى ضمن حراك يضمن لها الغطاء السياسي، ومن ثمة يعتبر توقيف مشاركتها في حركة 20 فبراير هفوة سياسية ما لم تكن في إطار صفقة بناء على معطيات انتخابات 25 نونبر 2011 وإجماع الخطاب الرسمي على جدوى العملية السياسية في سياق دستور 2011.
قد يكون هذا نتيجة تحليل سياسي بناء على قواعد علم السياسة المتعلمة في المدرسة الغربية، لكن حينما يقرأ الحدث والموقف من خلال قواعد علم السياسة كما تؤسس له مدرسة "المنهاج النبوي" التي لم يطلع عليها جل الباحثين اليوم، سيتضح أن الأمر يتعلق بإعمال مدلولات جديدة تحمل إضافات نوعية في العمل السياسي لا علاقة لها بسيادة قواعد السياسة كما صاغها الاستبداد القروني وكرسها واقعا علميا ونفسيا قائما، ولا علاقة لها بقواعد التفكير السياسي المبني على منطق التبرير المطلق، والذي يجعل مفسدة أنظمة سياسية فاسدة مرجحة على مصلحة الأمة في بناء نظام سياسي مناسب لها ولمستقبلها ولمسؤوليتها التاريخية من خلال واقع الحرية الحقيقية.
هكذا سيكون توقيف مشاركة العدل والإحسان في حركة 20 فبراير إضافة نوعية تفتح أفقا جديدا للعمل السياسي والاصطفاف المجتمعي بما يخدم تقدم المغاربة نحو عملية سياسية أكثر جرأة ووضحا ومسؤولية. 
بقلم الباحث مبارك الموساوي