مفاهيم يجب أن تصحح بعد الثورة المضادة في مصر اليوم(5)
القضية
الخامسة: الحركة الطلابية وريادة الحراك المجتمعي
1. معنى الحركة الطلابية وموقعها
الحراكي كما أكدته يوميات الربيع العربي الإسلامي
حينما أقدمت سلطات الانقلاب على فض اعتصامات ميادين الثورة في مصر
كانت تحسب ألف حساب لما بعده عندما تنطلق الدراسة في الجامعات والثانويات، وقد
اعتقدت، لسوء تقديرها لردة فعل أصحاب الشرعية وعموم الشعب المصري، أن احتجاجات
الطلاب لن تستغرق وقتا طويلا ولن تكون وقود الثورة وضمان استمرار شعلتها، لكن فرصة
الاعتصامات العظمى في الميادين شكلت مناسبة هامة لتلتحم الحركة الطلابية ميدانيا
مع القيادة المجتمعية الحقيقية وتشاركها مباشرة في قراءة الأوضاع وتقييمها لحظة
بلحظة واتخاذ القرارات المناسبة، كما كانت مناسبة لإعادة تأسيس القاعدة الطلابية
العريضة بعد ما فعلته الدعاية المضادة طيلة حكم مرسي وخلال انقلاب 30 يونيو و3
يوليو 2013.
ما يهمنا في بحثنا هذا هو تدقيق مهمة الحركة الطلابية وموقعها
الحقيقي في بناء القوة المجتمعية والنضال المجتمعي الشامل؛ ذلك أن الفرصة
التاريخية التي أتاحها الربيع العربي الإسلامي اليوم لهذه الحركة، إذا تم
استثمارها الجيد خاصة بعد النفس الثوري للحراك المصري بعد الانقلاب على الشرعية،
ستكون مناسبة تصحيح جوهري لحركتها بعد ما عانته من ضيق في الموقف والموقع منذ
انهيار المعسكر الاشتراكي مع انهيار الاتحاد السوفياتي وانهيار حائط برلين ودعاية
نهاية التاريخ، أي نهاية أي مشروع قوة يمكنها هزم القبضة الغربية الرأسمالية على
العالم بزعامة أمريكا وحلفائها وعرض بديلا عنها، وأن زمن منظومة الديمقراطية، كما
يتصورها الغرب الرأسمالي، صارت الملاذ الوحيد للإنسانية.
لقد اشتغل جيلان من الطلاب على غموض شديد في معنى الحركة الطلابية ما
بعد تسعينيات القرن العشرين، مما أدى بهذه الحركة إلى فقدان بريقها في كثير من
الأحيان وانتكاسة قوتها وتقهقرها إلى فعاليات جمعوية جزئية خاصة مع شراسة قمع
الدولة البوليسية لها، الأمر الذي أدى إلى تغير كبير في موقعا الحراكي، ومن ثمة في
موقفها من الوضع القائم إجمالا، مما ساهم بشكل كبير في بروز الأحزاب الإصلاحية
كخيار سياسي مستوعب لفئة عريضة من الطلاب تغادر الجامعات بخبرتها ورصيدها المعرفي
والعلمي والحركي مع طموحها العريض والغموض الشديد في أفق التغيير السياسي الجذري،
إلى أن جاء الربيع العربي الإسلامي حيث شكل هزة عميقة في موقف الحركة الطلابية
خصوصا والشبابية عموما، إذ انتقل بها من حالة النضال الهامشي والمحاصر إلى أن تصير
ضمن قلبه النابض ومحركه الأساس في سياق ثوري حقيقي، ولذلك فالحركة الطلابية ليست
حركة جزئية هامشية، بل هي قوة اقتراحية هائلة يصبح لها معنى استراتيجي مصيري إذا
ما انخرطت جملة في معنى الثورة التجديدي كما بيناه في مناسبات بحثنا للقضايا
السابقة.
إنها كذلك الشاب الذي يتوسط العائلة من حيث السن؛ فهو الفتى الذي
ينظر إليه الجميع محبة وتقديرا لكون عطائه الفياض عطاء الواعي والعالم والسخي الذي
يشمل الجميع مع نكران خارق للذات دون انقطاع.
لقد أربكت حركة الطلاب اليوم قيادة الانقلاب في مصر، ذلك أن هذه
الحركة هي المؤهلة بطبيعتها للمناورة والإبداع وفرز القيادة المقتدرة في الوقت
المناسب، خاصة لما تكون حركتها وبناؤها ضمن سياق قيادة مجتمعية مقتدرة متحركة في
الميادان، حيث إمكانيات فرز قيادات محلية ومتوسطة وعليا متوفرة وناجعة بين يدي
رصيد الخبرة الميداني.
ولذلك فكل حركة مجتمعية لا تنتبه إلى معنى الحركة الطلابية في بناء
مضمون الثورة وتدقيق أهدافها وفتح آفاقها وإبداع وسائلها، إنما هي حركة منغلقة على
نفسها لا تعدو حزبا إصلاحيا منشغلا بهياكله وقضاياه التنظيمية الخاصة.
لقد بينت لنا جميع التجارب في ربيعنا العربي الإسلامي اليوم، الذي
يؤسس بحق لمستقبل العزة والقوة والاستقلال والوحدة، أن موقع الحركة الطلابية هو
خندق الدفاع عن حق الأمة في الحرية والعيش الكريم، وأن دفاعها عن حقوق الطلاب إنما
يكون في سياق بناء قواعد الواجب تجاه قضايا الأمة المنجمعة في ضرورة فرض حريتها
واستقلالها مهما كان الثمن. لذلك لا عطالة ولا بطالة لخريجي هذه المدرسة في انتزاع
الحقوق والقيام بالواجبات.
إن هذه القاعدة هي التي جعلتني أختم كتابي "الحركة الطلابية
الإسلامية؛ القضية والتاريخ والمصير" بفصل تحت عنوان "خيارات الحركة
الطلابية في المغرب المعاصر واستراتيجية استكمال التحرير"، تحدث فيه عن
خيارات الحركة الطلابية مميزا بين الخيار الثوري والخيار الإصلاحي والخيار
التغييري، مبرزا أن الخيارين الأولين أدخلا الحركة الطلابية في النفق في حين سمح
لها الخيار التغييري المنخرط ضمن استراتيجية التحرير الشامل الانفتاح على أفقها
الحقيقي وحدد لها موقعها وموقفها المناسبين، كما بحثت أربعة عناصر استراتيجية
أساسية لضمان المسار الصحيح للحركة الطلابية ضمن سياق تجديدي تغييري.
فمن المفروض أن لا تفاجأ الحركة الطلابية بالأحداث مما يجعلها قادرة
على استيعاب كل المستجدات للحفاظ على خط التغيير الجذري الذي يؤسس لعملية إصلاح
شاملة للمجتمع وأنظمته في كل المجالات والقطاعات.
وهكذا يمكن التأكيد على أن الحركة الطلابية بحكم موقعها الاجتماعي
والسياسي تتوفر على كامل القدرة للمساهمة في ترتيب البيت الداخلي للمجتمع من خلال
الاشتغال الدائم على بناء التحالفات القاعدية مع باقي القطاعات العمالية والمهنية
والتلمذية بما يخدم استراتيجية النضال المجتمعي الشامل.
2. الحركة الطلابية وشرط الإبداع
المستر
لا حركة مستمرة دون إبداع مستمر، ذلك أن الإبداع دليل على توفر
الحركة على قدرات وكفاءات ذاتية تنجز مهام المتابعة والتقييم والتقويم واستشراف
المستقبل. ومن هنا كان لابد من ضمان عوامل الاستمرارية والتطور المناسبة لكل لحظة
ومكان ضمن ثابت التبني الواعي والمطلق لمطالب الحرية غير المنقوصة للأمة حتى تضمن
هذه الحركة الظروف الصحيحة لتساهم من موقعها في بناء عمران عالمي ضامن لسيادة قيم
إنسانية عادلة ومكرمة للإنسان.
قد تغض الحركة الطلابية الطرف عن بعض المطالب الجزئية الخاصة بالطلاب
وجامعاتهم في ظروف معينة، لكنها لا تتساهل البتة في قضايا الحرية والكرامة، سواء
فيما يخص الطلاب أو المجتمع أو الإنسانية عموما، لما لذلك من علاقة بجوهر وجودها،
لأنها ما كانت لتكون لولا حاجة الحرية في الحاضر والمستقبل لكينونتها كفئة عمرية
وكفئة منظمة عالمة بدورها ومهماتها في كل مرحلة من مراحل الإنسانية. لذلك في كثير
من الأحيان تجدها (أي الحركة الطلابية) تتجاوز حاجاتها ومطالبها المادية الخاصة
بها لتعانق قضية الحراك من أجل الحرية وتساند كل مستضعف مهما كان وأينما كان حينما
يتعرض للاضطهاد أو لوقائع اجتماعية أو سياسية أو غيرها تسحب عنه قيمته الإنسانية.
هذه المهمة المفروضة على الحركة الطلابية بحكم موقعها وموقفهما
الطبيعيين يفرض عليها دوما الإبداع لاكتشاف الوسائل المناسبة لتحقيق أهدافها
والغاية من وجودها.
فها نحن اليوم في مصر قد حاصرت قوات الانقلاب حركة القيادة
المجتمعية؛ قتلت وطردت واعتقلت وشردت، لكنها لم تستطع أن تكبح قيادات شبابية
طلابية متعلمة وعالمة بوظيفتها التاريخية في كشف المؤامرة وتعبئة الأمة وتقديم
التضحيات في كل مراحل الثورة مهما استغرقت من الزمن ومن التضحيات.
لكن ما كان ليكون هذا لو كانت الحركة الطلابية منفصلة عن القيادة
المجتمعية التي يجب في مجتمع إسلامي، إذا أردنا نجاح الثورة، أن تكون قيادة دعوية
جامعة مجندة معها كل فئات المجتمع؛ إذ لا ينبغي أن نمارس أي غموض في هذا الباب
مهما كانت الضغوط والإكراهات؛ لأن الحركة الطلابية، كما علمنا تاريخنا، ما هي إلا
بنتا بارة للحركة الأمة؛ حركة المجتمع الذي يتحرك من أجل قضيته الكبرى التي تحدد
معنى وجوده التاريخي والإنساني، ودون هذا خبال وضياع للوقت واستنزاف للجهد.
ذلك أن وضوح هذا السياق عامل قوي في توفر النظرة المستقبلية الكاملة
التي تمكن من الإبداع، مهما كانت الظروف المرحلية قاسية ومؤلمة، للحفاظ على تبني
القضية الكبرى للأمة وتبني هموم الطلاب اليومية وتوسيع القاعدة البشرية للحركة
الطلابية وتنويع القيادة وتطوير الأشكال التواصلية والتنظيمية، عموديا وأفقيا، والحفاظ
على السقف السياسي للقيادة المجتمعية الحقيقية والعمل المستمر على بناء التحالفات
العضوية مع باقي القطاعات والفئات المجتمعية وتحسين ظروف الدراسة والعيش الكريم
خلال يوميات العمل الطلابي.
إن الشباب أمل الأمة، وإن الحركة الطلابية بمعناها الواسع أمل
الشباب، فلا ينبغي أن تتخلف هذه الحركة عن الموعد مع التاريخ، أي عن تلك اللحظة
التي تلتحم فيها ميدانيا إرادتها مع إرادة الأمة مع إرادة القيادة الحقيقية
للتغيير والإصلاح، لأن لحظة الالتحام هذه هي لحظة النصر المبين، وهو ما يعني ضرورة
الانتباه، كما نستفيد من الدرس المصري اليوم، إلى حركة العلماء وحركة المرأة في
نقل معاني المسجد لتعم كل ساحات وميادين الثورة التي نعني بها قيام الأمة الجماعي
ضد الظلم في كل صوره وأبعاده؛ معاني المسجد التي تغطي كل فئات المجتمع مهما كانت
انتماءاتهم ومذاهبهم وطوائفهم.
وإلى اللقاء في الميادين مع العلماء العاملين تحت مظلة معاني المسجد
وروح المسجد التي تجسدها ربانية القيادة وفتوة المجتمع. ولتلك اللحظة ينبغي العمل،
وهنا أجد نفسي مرة أخرى، ودون تعصب بالتأكيد، أدعو الحركة الطلابية الإسلامية إلى
الوقوف مع "رسالة
إلى الطالب والطالبة، إلى كل مسلم مسلمة" للإمام
المجدد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله.