مفاهيم يجب أن تصحح بعد الثورة المضادة في مصر اليوم(4)
القضية
الرابعة: الشباب وتجديد الثورة
1. محورية الشباب في بناء القوة
المجتمعية
من المعلوم أن الحركة الإسلامية في دول ما سمي بالربيع العربي دخلت
متأخرة على خط الثورة، وليس هنا مكان تقييم هذا الموقف، إلا أن المؤكد أنه من
المحيط إلى المحيط اعتبر دخولها المتأخر مكسبا هاما حيث هي التنظيمات الأكثر
تنظيما وانضباطا وقدرة على استيعاب ميادين الثورة، مما قلل إلى حد جيد جدا مستوى
العنف في هذه الثورات وحسم المواقف بسرعة وقوض التدخل الخارجي وامتداده إلى حد مفاجئ،
الأمر الذي فوت الفرصة على نظرية "الفوضى الهدامة" التي تشتغل عليها
المخابرات الأمريكية والصهيونية وبعض الأوربية منذ أمد بعيد ولا تزال.
وقد كان من وراء هذا المستوى من الاستيعاب في مصر كفاءتان هامتان؛
الأولى تتجلى في وجود قيادات متوسطة ومحلية (أغلبها شباب) ذات خبرة ممتازة في باب
التنظيم والانضباط، والثانية تتجلى في القاعدة الهائلة من الشباب ذكورا وإناثا
المشاركين بوعي وإرادة في تنظيم يوميات الثورة وحلقاتها في اتجاه أهداف واضحة
تُطعمها المكاسب والانتصارات اليومية لحركة الثورة وشبابها.
فما ينبغي التأكيد عليه هنا أن غالبية هؤلاء الشباب خريجو الجامعات
أو المعاهد أو المدارس أو طلاب جامعات وتلاميذ، دون أن نغفل القوة المهنية
والعمالية إذ كان لهذه الفئات الدور الجيد في الاحتشاد الواعي والتأثير عليه في
الاتجاه الصحيح، وقد كان جل هؤلاء رموزا طلابية في الفترة الجامعية، مما قوى عنصر
المفاجآت الضروري في مثل هذه المناسبات.
ومن المعلوم أن هناك تغطية هامة من طرف الوجود الإسلامي لكل القطاعات
خاصة جماعة "الإخوان المسلمون" والمتعاطفون معها؛ إذ عايشنا جميعا
الوجود الشبابي في ميادين الثورة وكثافة مشاركته ونوعيتها، مما يجعلنا مضطرين إلى
عرض معنى تجديدي لحركة الشباب عبر تصحيح مفهومها وكيفيات امتداد علاقاتها
المجتمعية أفقيا وعموديا، ذلك أن الثورة بمعناها التجديدي (القومة) رهينة بتحقيق
المعادلة الحركية التي تجعل الشباب من خلال معنى الفتوة قاعدة الحركة المجتمعية،
لكن هذه القاعدة لا قيمة لها دون حصول مستوى التطابق الحاسم في بناء هذه الحركة
المتجلي في التحام إرادة هذا الشباب، الواعي بدوره ومهامه، مع إرادة العلماء
العاملين ضمن قيادة ربانية جامعة لأطراف الحركة ومفاصلها وتفاصيلها وآفاقها؛
ربانية ضامنة للاستمرار على مر الأجيال بضمان معاني امتداد المعاني النبوية، ذلك
أننا لم نعد أمام ثورات سياسية كما هو شأن القرن الماضي، بل نحن أمام قومة شاملة
ممتدة في التاريخ الإنساني وظيفتها الأم أن تبعث قيم النبوة الجامعة لحركة
الإنسانية؛ وهو ما يعني أن غياب هذا الالتحام بين الإرادتين يجعل حركة المجتمعات
العربية والإسلامية في دوران الضعف المُمَكن للصهيونية والاستعمار والاستبداد
والفساد.
إن هذا التقرير، الذي سيكون من أهداف هذا البحث الاستدلال عليه نظرا
لأهميته وخطورته، ليس تنظيرا مجردا بقدر ما هو عمليات حاسمة لها تفاصيلها في
مجالات النفس والسياسة والبناء المجتمعي هيكليا وتنظيميا؛ فهي عمليات ذات عمق
استراتيجي مصيري في تحريك قوى وقطاعات المجتمع، وذات عمق عملي يومي في تحريك
الهياكل والتنظيمات والإرادات الفردية والجماعية على قواعد تجديدية جامعة هدفها
المباشر بناء القوة المجتمعية الواعية ذات الإرادة الفولاذية الصامدة نحو الهدف
الواضح المتجلي في بناء نظام سياسي حر يضمن حرية وكرامة الأجيال الحالية والقادمة
في الاختيار، ذلك أن توفير شروط الاختيار الحر في حركة الأمم مقدمة كبرى لتوفير
شروط المعرفة بالخالق سبحانه ودلالة الإنسانية على باب الرحمة الكامل.
لذلك لا ينبغي أن نغفل أن خلال العقود الأخيرة تم اختراق حركة
مجتمعاتنا من خلال مفاهيم دقيقة لها تفاصيلها العملية والنفسية والفكرية والحركية
والسياسية، وغيرها، مما كرس واقعا استعماريا جديدا بالغ الأثر، مع التأكيد على أن
هذا الاختراق استغرق وقتا طويلا بهدوء ماكر مكر الاستعمار بما هو مقدمات ضرورية
لتمزيق الأمة شر ممزق.
لقد فاجأت الثورة المضادة في مصر كثيرا من الناس والحركات لما أظهرت
حجم مشاركة الغرب فيها، وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى مفهوم المجتمع المدني حيث من
نتائجه سيادة العمل الجمعوي كأداة فسيفسائية سهلة التحكم من طرف أنظمة سياسية
متحكمة في كل شيء، كما هي سهلة الاختراق والحصار والاحتواء، ومفهوم التنمية
البشرية كأداة استراتيجية هامة في ترسيخ قواعد السلوك وأنظمة التفكير في سياق
متحكم في مساره عبر ترسيخ عادات نفسية وذهنية تنعكس على كل الحياة السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والمالية صياغة وتدبيرا، الأمر الذي ينتج سيادة نمط تفكير
إصلاحي ضمن نظام التبعية الهادئ والإرادي للغرب، وفي أحسن الأحوال يسمح ببناء
معارضة من داخل قواعد اللعبة الغربية المفروضة علينا محليا ودوليا.
لقد كان من النتائج العملية لهذا الاختراق، الذي استغرق حوالي قرن من
الزمن، تكريس اضمحلال التوجه الثوري في مخاطبة ما يفعله الغرب والصهيونية بكل
إمكانياتنا المادية والبشرية، إذ لولا بروز المقاومة الإسلامية أواخر القرن
العشرين بإعطائها أنموذجا يصعب كسر شوكته لكنا في عالم آخر غير الذي نحن فيه الآن.
الشاهد عندنا في الباب، مع ضرورة تجاوز الانقلابية الثورية العسكرية،
أننا صرنا مجتمعيا ضمن إرادتين في التغيير والإصلاح، الأولى كرست كل جهدها في
محاولات التعامل مع هذا الواقع الذي فرضه الغرب لفظا ومضمونا في سياق منطق إصلاحي
يستند على منطق تبريري مصلحي حتى صرنا نجد إسلاميين يصدرون اجتهاداتهم من معين تلك
المفاهيم بوعي أو بغير وعي. والثانية مستندة إلى موقف جذري تختلف درجات وضوحه بناء
على مدى شموليته المرجعية ووضوحها.
لقد تضافرت عوامل عدة رجحت كفة الإرادة الأولى حيث عانت الإرادة
الثانية في وجودها وتطورها من إعاقة شلت حركتها في مناسبات تاريخية دقيقة، خاصة
لما لم تساندها معطيات واقعية وخذلها الضمور العلمي والفكري من حيث بناء قواعد
علمية وفكرية جديدة قادرة على توفير العامل الذاتي للمقاومة واختراق الواقع. وهنا
لا بد أن نسجل للحقيقة والتاريخ آثار المقاومة الفلسطينية، خاصة لما تبنت المرجعية
الإسلامية، والمقاومة في لبنان، خاصة لما تبنت المرجعية الإسلامية كذلك، كما لا
ينبغي تجاهل الآثار الكبيرة لثورة الخميني رحمه الله، ولما عاشه العراق بمقاومته
للاحتلال الأمريكي.
إن الإرادة الأولى، إرادة الإصلاح، وبحكم حجم الضغط الاستعماري
الصهيوني، وفرت فرصة كبيرة وهامة للاختراق الهائل للاستعمار الغربي بقيادة
الأمريكي في تفاصيل دقيقة للحياة اليومية لمجتمعاتنا إلى أن صار الفساد السياسي
والمجتمعي على حجم لا يطاق، مما وفر أرضية خصبة لاسترجاع روح الثورة والمقاومة
التي طردت المستعمر المباشر.
الشاهد عندنا هنا أنه مر على حركة الشباب في عالمنا العربي ضغط شديد
لإنهاء الإرادة الثورية، خاصة لما هيمن الغموض والعنف على هذه الإرادة منذ ستينيات
القرن العشرين بين يدي بطش فظيع من جهة أنظمة سياسية قائمة على القمع والاستبداد
الذي تحول إلى فساد مطلق، فكانت النتيجة أن تحولت إرادة العمل الشبابي، في الغالب،
إلى الرهان على العمل الجمعوي نظرا للأهمية التي أصبح يحتلها داخل الحراك المجتمعي
مما استهلك جهودا ضخمة مقابل نتائج لا ترقى إلى حجم الطموح فكان رهن إرادة الشباب
ضمن أنظمة العمل الجمعوي، كما تفرضه القيود القانونية، ضياع لكفاءة وقوة في مجال لن
يكون إلا هامشيا في الأصل الثوري. وما ينبني على هذا أن الانتقال بالحركة
الطلابية، وكذا التلاميذية والمهنية والعمالية والحرفية، من معنى النضال المجتمعي
الشامل، الذي لا يكون العمل الجمعوي إلا جزءا يسيرا منه في سياق حركة تجديدية
مستقلة، هو انتقال من موقع القوة إلى موقع الضعف، ومن ثمت خسارة كبرى على المستوى
الاستراتيجي المصيري لحركة المجتمع ككل، ذلك أن رهن إرادة الشباب ضمن عمليات
جمعوية جزئية ومحدودة إنما هو كسر لإرادة في أصلها قوية وقابلة للتنظيم والبناء
الحر نظرا للإمكانات الهائلة لدى هذه الفئات والقطاعات في الحركة والمشاركة.
لقد كشفت لنا التجربة في مصر اليوم أن كل ما منحه الاستبداد، بعامل
الضغط أو إرادة الاحتواء، ينزعه حينما تكون الفرصة سانحة، لذلك فما كان من الثورة
في مصر إلا أن وظفت إمكانيات التواصل المتاحة اليوم مع استدعائها خبرتها ورصيدها
من النضال المجتمعي عبر تاريخها لاسترجاع مكتسبات ضحت من أجلها سابقا وفقدت الكثير
منها حاليا، ولو كان هذا الرصيد الهائل مستندا إلى إرادة ثورية قوية ممتدة في
تاريخ الحركة الإسلامية لا إلى إرادة إصلاحية لكان النصر تاريخيا وعظيما بعد إسقاط
نظام مبارك حيث ستفتح آفاق هامة لكل مستضعفي العالم نحو الحرية الحقيقية.
إننا في حاجة إلى استلهام معنى الثورة الشعبية الحقيقية وفق السياق
الذي تحدثنا عنه في بحثنا هذا عند القضية الثالثة منه، استلهام يحقق الأهداف
التالية:
أـ تحديد مصادر القوة المجتمعية.
ب ـ التوزيع الحكيم للقوة المجتمعية.
ت ـ بناء استراتيجية النضال المجتمعي الشامل عبر قوة التنظيم وقوة
التعبئة العامة بحيث تتضافر بوعي مجهودات القطاعات من خلال التموقع السليم في
مواقع القوة المناسبة لكل قطاع حتى تشكيل تحالف عضوي مجتمعي، ليس فوقيا، يكون مرجع
الحركة العامة ومصدر اختياراتها بما ينجزه على أرض الواقع من هياكل وأساليب جامعة
تعمم مبدأ الشورى في الحياة العامة تحقيقا لقيم الاختيار القوي.
2. المعنى الهيكلي للقوة المجتمعية
إن تحقيق تلك الأهداف، خارج سياق المنطق الإصلاحي القابل للاشتغال
ضمن القواعد النظامية الرسمية للعبة السياسية، يحتم على الحركة الإسلامية أن تقف
أمام الدرس المصري اليوم حتى تتمكن من الوعي الحاسم بالذات التي تصنع، بكل حرية
مهما كانت درجة القمع الذي تتعرض له، سياقها المتميز في بناء القوة المجتمعية التي
تفرض نظامها السياسي الذي تريده اختيارا لتُقيم منظومة قيمها التي تراها مناسبة
لوجودها ووظيفتها الإنسانيين.
هنا ندرك المعنى التجديدي للدعوة الذي يمكننا من إدراك حركة القوة
المجتمعية وموقع كل فئة ضمنها حتى ندقق جيدا في مصادر القوة المجتمعية وفي أهمية
كل مصدر ومجالات تحركه أفقيا وعموديا.
إن مصر اليوم تعلمنا أن أي تنظيم منع نفسه عبر اختياراته الهيكلية والتنظيمية
والتعبوية من الامتداد الأفقي ضمن حركة المجتمع يكون قد حبس نفسه عن التطور
الضروري لتحول مشروعه إلى واقع مجتمعي، فيعيش حالة التقوقع حول أشكال عمودية قد
تكون محكمة لكنها غير مستوعبة لعمليات التحول إلى المعنى المجتمعي الذي يضمن بناء
القوة الضرورية لعمليات الحراك السلمي خاصة في لحظات توفر شروط الثورة وتعرض
التنظيم للضغط الهائل. وهنا ندرك مدى أهمية الرصيد المجتمعي الذي شكلته الحركة
الإسلامية في مصر خاصة "جماعة الإخوان المسلمون".
قد يكون هم القيادة الإبداع التنظيمي للتحكم الدقيق في حركة التنظيم
الأم والحيلولة دون انشقاقات وعثرات قد تشوش على الحركة، لكن إذا كان هذا الحرص
معتمدا على التحكم في المؤسسات التنظيمية وبناء قوانينها لهذا الغرض دون الانتباه،
حينما يصبح التنظيم مدارا عبر قواعد الشورى التي من دونها لن يكون تنظيما إسلاميا،
إلى الجانب الأهم المتمثل في القدرة على الاستيعاب المجتمعي؛ أي إبداع الشكل
الهيكلي القادر على التغطية المجتمعية، فإن هذا التنظيم لا يستطيع خوض المعارك في
وقتها المناسب على الرغم من وعيه بها وبتوقيتها.
الشاهد عندنا هنا أن ما امتص سلبيات المنطق الإصلاحي في التفكير
السياسي لدى "جماعة الإخوان المسلمون" في مصر هو امتدادها المجتمعي
الأفقي من خلال وجودها الهام في قطاعات المجتمع عبر هياكله وترسيخها لقيم الشورى
قاعديا.
إن ما بعد رابعة كشف هذه الحقيقة على الرغم من وجود بعض الروح
الاستحواذية لدى الجماعة التي لم تمنع من الاستيعاب المجتمعي الذي ستصقله يوميات
الثورة لاستعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب مع الوعي الضروري الذي أصبح لدى القيادة
بأهمية التعاون الإسلامي مع التنظيمات الإسلامية في القطر المصري. وهنا يجب
الانتباه إلى أهمية الشباب في بناء القوة المجتمعية.
3. الشباب والمعنى الهيكلي للقوة
المجتمعية
إذا تمت محاصرة الشباب بين مضايق المؤسسات التنظيمية وقوانينها، التي
لا بد منها في بناء التنظيم عموديا، وبين مضايق العمل الجمعوي فقد تمت محاصرة
القوة الضاربة التي لم يستطع النظام السياسي الطاغوتي في كل مكان وزمان حصارها وإن
منعها من التنظيم الجيد، وسيصبح التنظيم مع مرور الزمن شكلا هيكليا على صورة حزب
له هياكله الموازية لا أقل ولا أكثر، مما سيكرر التجارب والأساليب الحزبية في
بناءاته وتدابيره، وهو ما يعني انتقاله من المعنى الدعوي، وهو أصل القوة
المجتمعية، إلى المعنى السياسي الضيق، وساعتها سيكون ملكا لأشخاص لا للأمة.
لذلك ما لم يضمن التنظيم في اختياراته الهيكلية ما يوسع جيدا من نظام
الشورى واستيعاب كل أنواع الكفاءات الشبابية وينظم وجودها وحركتها أفقيا وعموديا
فلن يكون في مستوى اللحظة التاريخية ولو كان وعيه بها وبطبيعتها دقيقا، الأمر الذي
شعرت به قيادة اعتصام رابعة وأبدعت أشكالا مهمة لاستيعاب أنواع المشاركات الشبابية
في فعاليات الاعتصامات والمظاهرات.
إن الوضع العمري والاجتماعي لفئة الشباب غالبا ما يؤهلهم للريادة في
فنون التعبئة والتنظيم والمشاركة الواعية، ولذلك يقتضي الأمر صناعة الفضاءات
المناسبة لتحقيق مشاركة أكبر عدد من فئة الشباب في تغيير الأوضاع في الاتجاه
الصحيح.
هنا لابد من التأكيد على قضية تصورية مصيرية في هذه العملية، ذلك أن
حركات الشباب سرعان ما تتحول إلى عنف نظرا لسرعة رد الفعل ونظرا لرهان الطواغيت
على جر حركة المجتمع المعارضة لحلبة العنف لتبرير هجمتها الشرسة على كل فئات
المعارضة؛ هذه القضية تتمثل في أمرين شأنهما واحد؛ وهما: رفض العنف على أي صورة من
صوره، واعتبار حركة الشباب ليست هي قائدة المجتمع نحو التغيير، بل مشاركة فيه من
مواقعها الخاصة والمتعددة مع وعيها بدورها وبحدوده ضمن القيادة المجتمعية الحقيقية
الموجودة بتضحياتها في قلب الحركة وبرصيدها الجهادي الجامع. وفي المجتمعات
الإسلامية لا تغيير حقيقي ما لم تكن القيادة المحورية قيادة دعويه قطبها المعنى
الرباني في التدبير.
وهنا أجد نفسي مضطرا للتذكير بما أنتجته القوة الاقتحامية المرعية
بالقوة الاقتراحية التي قادها الإمام المجدد عبد السلام ياسين منذ أن خرج إلى
الوجود الدعوي، حيث كان وعيه دقيقا بمصادر القوة المجتمعية ولم يتوان لحظة في
اقتحام معاقلها بكل رحمة وقوة وحكمة، إذ ستأتي أيام إن شاء الله تعالى ليقف الناس
على هذه التجربة المترجمة في الزمان للتجربة النبوية كاملة غير منقوصة. لا أقول
هذا تعصبا بل يقينا وخبرة على الأقل.
تجربة ممتدة في التاريخ وأجياله إلى أفق الخلافة الثانية على منهاج
النبوة. لكن دع هذا إلى حين، بحول الله وقوته، وهلم نقرأ بعمق ما يجري حولنا علنا
نكتشف من خلال مدرسة الشدائد معنى بناء القوة المجتمعية في سياق قوة الرحمة وحكمة
القوة لا العنف؛ في سياق مدرسة المنهاج النبوي كما أسسها المرشد الإمام المجدد عبد
السلام ياسين.
فالشباب بما هو قاعدة الهرم المجتمعي، فليس تنظيمه منحصرا في المعنى
العمودي، لكنه مع هذا فهو امتداد أفقي هائل لقدرته على التواصل الفعال مع كل
قطاعات المجتمع وفئاته. وما ينبني على هذا أن حركة الشباب ليست حركة سطحية ولا هي
عفوية، في الغالب منها، ولا هي فوق الحركة الأم حركة المجتمع، بل هي حركة عميقة
جدا ولها عمق استراتيجي مصيري، لذلك فهي ليست حركة تنشيط ولا مجال استعراضي
انتخابي. ومن ثمة فقدرها أن تكون في مواقع القوة وصاحبة الاختيار القوي في تبني
هموم الشباب والأمة؛ أي أنها لا تكون إلا في قلب النضال المجتمعي الشامل صابرة
ثابتة صامدة إلى الهدف الجامع مستعدة، عبر الإبداع المستمر، لكل ما يمكن أن يطرأ
على حركة المجتمع ككل ولا تقبل إلا التغيير الجذري الذي يضع الأمة على سكة الإصلاح
الحقيقي بمشاركة الجميع.
هنا لا بد من الانتباه إلى القيمة الاستراتيجية المصيرية للحركة
الطلابية، إذ في مصر اليوم يلاحظ الجميع الدور الذي قام ويقوم به الطلاب سواء من
حيث حجم المشاركة ومن حيث نوعها وامتدادها، لذلك يقتضي المقام بحث موضوع الحركة
الطلابية في سياق الربيع العربي الإسلامي.