مفاهيم يجب أن تصحح بعد الثورة المضادة في مصر اليوم


مفاهيم يجب أن تصحح بعد الثورة المضادة في مصر اليوم

.1  الربيع العربي الإسلامي ونهاية الحكم الوراثي والانقلاب العسكري

لاشك أن شراسة الثورة المضادة في مصر وانقضاضها العنيف والدموي على كل مكاسب ثورة 25 يناير انتكاسة كبرى في مسار الحرية، ليس فقط في مصر، بل في كل البلاد الإسلامية. ولاشك، كذلك، أن بنية الحكم بعد ثورة 25 يناير لم تكن قادرة على مواجهة مؤامرة كبيرة لتقويض امتداد التيار الإسلامي في تفاصيل الحكم التي لم تتخلص من مورث النظام السابق مما سمح للتبلور السريع للثورة المضادة، لكن كل هذا، وهو الظاهر للتحليل السياسي، لا ينبغي أن يحجب عنا القيمة التاريخية والإنسانية لما جرى عبر موقف التيار الإسلامي الجذري في الدفاع عن الشرعية، العائدة مهما طال الزمن، حيث شكل حدثا تاريخيا محوريا ربما لن تستوعب المفاهيم والأفكار وأنظمة التفكير السائدة مآلاته، وسيبقى هكذا إلى حين نضوج هذه الأدوات إلى مستوى يمكنها من كفايات الاستيعاب ثم التحليل في سياق عمليات تاريخية لا تخدم إلا مسار بناء أساسات الحرية الحقيقية لكل الإنسانية.
وما يمكن التأكيد عليه اليوم -وقد كتبنا لهذه المرحلة كثيرا وبإلحاح، والمنة والفضل لله سبحانه جل وعلا- أن درجة الوعي باللحظة التاريخية وبمطالبها كانت متخلفة لدى كثير من عناصر النخبة المالئة لمجالات العمل السياسي والاستراتيجي، والمفكرة لقضايا الأمة والإنسانية، وأن مرجع هذا التخلف مستوى الغموض المقصود أو غير المقصود المهيمن على أنظمة التفكير وأدوات الاشتغال الميداني والمصيري خاصة التنظيمية والهيكلية، وهو ما شكل عائقا كبيرا أمام مسار التحول التاريخي الذي ظهر مع ما سمي بالربيع العربي، مما فتح الباب واسعا لأكبر أداة مستقرة على مدى قرون من الزمن؛ إنها قوة الاستخبارات الاستكبارية والصهيونية وتوابعها بكل أصنافها لتتحكم في مسارات شعوب وقضايا إنسانية مصيرية متعددة وتتلاعب بكثير من العقول.
مفاد هذا التذكير التأكيد على ما يلي:
- إن الرضى بالاشتغال على أساسات غامضة، سواء فكرية أو دستورية أو قانونية أو تعاقدية، على أي صورة من صور التعاقد الاجتماعي والسياسي أو غير ذلك، وفي أية فترة أو لحظة تاريخية، إنما هو تضييع لوقت وجهد الأمة وفرصة هامة لتجذر قوى الصيد في الماء العكر وقوى الفساد والاستبداد والعمالة والخيانة والاستعمار والاستحمار. ولذلك فبناء كل أساسات المستقبل يجب أن يتم على كامل الوضوح الكاشف الجميع للجميع في إطار من التدافع الحر والمتكافئ، إذ مع غير هذا فلينتظر الجميع لحظة الصدام الغامض الذي يغذيه العامل الخارجي السلبي ليصبح الواقع العام فتنة محيرة لا يُدرى فيها الموقف الصحيح من السقيم ولا الموقع السليم من غير السليم، وهي الفوضى الهدامة.
ومقتضى هذا أن جهاد دفع الغموض باب هام لدفع عامل الخوف، إذ غالبا ما يكون الخوف مع الغموض وهما أوخوفا من أوهام، وهو ما يولد على منطق تبريري فقهي وسياسي ويحافظ عليه يرجح حكم المتغلب بالسيف في كل زمان. إنها حالة تخلف تحتاج إلى رجة عميقة تخلخل مسلمات تاريخية صارت سقف التفكير وحد النظر وسجن الحركة، ولعل ما جرى في مصر يكون عاملا بليغا في الباب.
- إن صناعة الوعي وحده غير كافية، لأنه قد يكون سكونا لا حركة إن لم يتحول إلى خبال فكري، ولذلك لا بد من صناعة الإرادة المقتحمة لمعاقل الغموض والعالمة بثمن هذا الاقتحام ومراحله وأهدافه ووسائله الكلية والفرعية المنسجمة تماما مع طبيعة الوعي السامي ومضامينه؛ حيث لا ثورة حقيقية إلا بوعي حقيقي وإرادة فردية وجماعية حقيقية في إطار قيادة مجتمعية عميقة النظر راسخة القدم وحقيقية لا افتراضية. لذلك عرضنا قضية القيادة في أول مقال معلق على ثوة 25 يناير تحت عنوان"الرحيل من زمن الثورة إلى زمن الأمة" .
- إن من طبيعة كل ثورة في كل زمان أنها لا تنهي فقط واقع الاستبداد والفساد، لأن هذين مفهومين عامان، ولذلك فكل اشتغال ميداني تغييري إصلاحي على أساس محاربة الفساد والاستبداد لا يفضي البتة إلى تغيير حقيقي، حيث من وراء كل واقع فاسد يهيمن عليه الاستبداد أنظمة مجتمعية وسياسية وتفكيرية، وغير ذلك، هي التي يجب إنهاؤها وبناء أنظمة جديدة منسجمة مع المرحلة وخادمة للمستقبل. وهنا يكون معنى للثورة التي تشكل نهضة عامة وشاملة تقوم من خلالها الأمة قومة ناتجة عن الولادة الجديدة بالقطع مع نظام في الحياة وبناء نظام جديد لحياة جديدة ومتجددة وفق قيم ونظم جديدة، علما أنه قد تمتد درجة الوعي الصحيح إلى عمق بنية الواقع وأنظمته السائدة فيحصل ما يسمى بالثورة البيضاء إذا نتج عن هذا الوعي إرادة سياسية حقيقية تبرهن على مسار جديد في اتجاه إنجاز مطالب المرحلة في إطار من الحرية الضامنة مشاركة الأمة، والشرط في هذا أن تكون بنية النظام القائم قابلة للتحول إلى بنية الحرية والقوة والاستقلال، وهو خلاف جوهر أنظمة الاستبداد مصدر الفساد.
لذلك إذا كان مع إسقاط رموز أنظمة سياسية بما سمي الربيع العربي تم الإعلان عمليا عن نهاية الحكم الوراثي؛ فإن مع الجولة الثانية من الربيع العربي الإسلامي في مصر، على يد هذه المقاومة الشرسة للثورة المضادة من طرف الشعب بقيادة إسلامية ووطنية، تم الإعلان عن نهاية زمن الانقلابات العسكرية؛ وهو مكسب عظيم لا يقل أهمية عن مكسب الوعي بنهاية الأنظمة الوراثية، ومن ثمة فكل من وقف ضد الانقلاب العسكري في مصر وقف موقفا نبيلا وساميا في لحظة تاريخية حاسمة بالنظر إلى نتائجه العميقة الأثر على الأمة والإنسانية. ولاشك أن حصول هذين المكسبين العظيمين مقدمةٌ جليلة في طريق الحرية لأمة أنهكتها الانقلابات سواء الثورية أو العميلة، أما من وقف مع الانقلاب بأي مبرر فقد وقف ضد حركة التاريخ قد يشوشُ على وضوحها لدى البعض لكن لا يمكن إيقافها أو تحريف اتجاهها.
هنا نجد أنفسنا أمام حتمية إعادة النظر في مضامين وسياقات كثير من القضايا والمفاهيم التي دوخت بها النخبة السياسية والفكرية التقليدية عقول الناس وصمت آذانهم وصدعت رؤوسهم حتى صاروا يرونها وحيا مقدسا لا وحي غيره، خاصة أن هذه المفاهيم نسجت واقعا معيشا معقدا ومتشابكا ومتعدد الأبعاد.

.2 مفاهيم يجب أن تصحح لأجل مستقبل الوضوح؛ مستقبل الأمة والإنسانية

إن ما جرى ويجري في مصر اليوم يدعو ضرورة إلى الوقوف مع قضايا ربما كان يعتبرها الكثير مسلمات كونية لكثرة تداولها في الخطاب النخبوي والإعلامي. ومن الواجب على الحركة الإسلامية أن تجلس مستفيدة، لا أقول من أخطائها في مصر، بل من الدروس التي ساقها الله تعالى لها من خلال حدث قد يظهر للوهلة الأولى في صورته البشعة، التي لا تشكل إلا مسمارا في نعش أنظمة القمع والاستبداد، لكنه في حقيقته منحة تستحقها تضحيات جسام لرجال عظام عبر تاريخ طويل من الجهاد، ذلك أن المستقبل الذي ينتظر هذه الحركة ليس عملية سياسية جزئية، بل إنجاز واقع التحول التاريخي الذي يحصل من خلال تحول عميق في المجتمعات والنفسيات وأنظمة الحكم والتفكير في أفق إنجاز واقع دولي يقوض ويحارب الاستكبار الذي لا ينتج إلا استضعافا في الأرض واستخفافا بكل الإنسان والقيم الإنسانية ويؤسس لكل وسائل المسخ والفساد والاستبداد والمعايير المزدوجة.


كل ذي عقل راجح وضمير حي لا يملك إلا أن يكون في حالة صدمة مؤلمة بسبب بشاعة الانقلاب العسكري في مصر وجرأته في قتل شعبه. وخطورة هذه الصدمة، بالنسبة للحركة الاسلامية، تكمن في حصول مراجعات في الاتجاه السلبي تزيد من درجة الغموض في أفق مشروع الحركة الاسلامية وتعمق درجة الخلاف وتسطح مستوى الفهم لقضية الصراع والتدافع على أرض الواقع في بعده المحلي والدولي، وتختزل التغيير أو الإصلاح في طلقات رصاص هنا أوهناك أو في عمليات جزئية وفرعية علومية أو فكرية أو سياسية هنا أوهناك.
ولاشك أن زاوية النظر للحدث عامل حاسم في باب اكتشاف دروسه وآثاره والعلم بمآلاته، ومن ثمة فمن ينظر من تحت ضغط تسلسل أحداث الانقلاب المتوالية وتسلسل حجم معاناة الرافضين الانقلاب سيجد نفسه أمام حقيقة التسليم بالأمر الواقع؛ واقع حكم الانقلاب العسكري المعروف في التاريخ بوعوده الخلابة وبشاعة بطشه وشراسة أكل أطرافه قبل غيرها. لكن من ينظر من زاوية قيمة الموقف التاريخي والانساني الذي وقفته جماعة "الإخوان المسلمون" وحلفاؤها وعلاقته بحجم التحولات الجوهرية التي ستترتب عنه في بنية العلاقات وأنواعها داخل المجتمعات العربية خصوصا والدولية عموما، سيدرك أن معيار النظر ليس البحث عن أخطاء الإخوان في طريقة الوصول للحكم وطريقة تدبيره، وإنما المعيار حجم المكاسب التي استفاد منها وسيستفيد المشروع التحرري الأصيل من خلال وجودهم المحاصر في الحكم لمدة أقل من عام، ومن خلال صمود أسطوري نوعي في وجه الانقلاب والمؤامرة.
إن كلام الأخطاء لا فائدة منه على الأقل في اللحظة المعيشة، لأنهم وصلوا عبر ثورة توجت بانتخابات نزيهة أفرزت حجمهم وحجم تضحياتهم وجعلهم يتموقعون تموقعا صحيحا في حلبة الصراع ليحولوا دون انتكاسة كبرى في مسار حركة الأمة؛ فمن حقهم أن يكونوا في الحكم ومن حق الشعب أن يكتشف حلولهم لأزمات خلفها حكم الاستبداد والتبعية والعمالة، وليس من حق أحد أن يفرض عليهم متى يصلوا للحكم ومتى يسلموه لغيرهم، كما ليس من حق أحد أن يتآمر على شرعية ولا يسمح لها بممارسة السلطة في أدنى ظروف الاستقرار.
كيف تحكم على رئيس بالفشل وأنت لم تسمح له قط أن يجلس لتدبير قضايا الحكم لحظة واحدة عبر مؤامرة كبرى لتقويض نظامه الذي لا زال وعودا انتخابية فقط؟
إن حجم المؤامرة جعل الرأي السائد أن الإخوان تسرعوا في قضية الحكم، والمفروض قلب الصورة لتظهر على حقيقتها: أليس حجم المؤامرة وطبيعة أطرافها تكشف عن قيمة وأهمية وأصالة وجدارة حكم المشروع الإسلامي كما تكشف عنه حجم التضحيات ونوعية الثبات في الدفاع عن حق الأمة في الاختيار الحر ورفض الظلم والاحتلال والتبعية والقهر؟
كما ينبغي أن يتذكر الجميع أن الإخوان لم يكونوا في بداية الأمر بعد ثورة 25 يناير 2011 على رأي ترشيح رئيس منهم، لكن تطورات الأحداث فرضت ذلك، وليتصور الجميع عدم ترشح مرشح من الإخوان وفوز غيره من المرشحين من الإسلاميين أو غيرهم، ماذا كان سيقع من انتكاسة للمشروع الإسلامي في مصر وفي العالم؟
قد تضغط الأحداث حتى تعتبر بعض قيادات الإخوان قبل غيرهم أنهم استعجلوا في مسألة الرئاسة، لكن بعد حين سيكتشف الجميع حكمة الترشح وعظمة الوقوف في وجه الانقلاب والمؤامرة.
إن اللحظة الدقيقة في تاريخ الأمم الثائرة هي اللحظة التي يصبح فيها مصير الأمة ومصير الثورة مصيرا واحدا؛ هي لحظة حياة أو موت، هي لحظة اتخاذ القرار المصيري الذي يحكم على مصير الأمة والثورة بالنجاح أو الفشل، وهنا يكون دور القيادة والحاجة للقيادة الموفقة، حيث الحاجة للقرار الحاسم في مصير الثورة الذي يعني حتما تقرير مصير الأمة.
فلله ذركم أيها الواقفون في وجه الانقلاب العسكري في مصر، كم حبستم من سفك الدماء وتشريد الأطفال والنساء في علامنا العربي والإسلامي. فبعد حين ستدركون أن قرار ترشيح مرسي قرار حكيم ليس بمعيار التحليل السياسي والتاريخي فقط، بل بمعيار العناية الإلهية بالأمة المحمدية.
من هنا ينبغي أن نكتشف زاوية أخرى للنظر في مثل هذه الأحداث الكبرى، سواء التي أنجزتها الحركة الإسلامية بوعي أو التي تعني العالم والعالم العربي والإسلامي، أو التي ساقها الله قدرا من أقداره، وهو سبحانه العالم بعباده وبحاجاتهم في هذا الزمان وفي ما هو أت من الأزمان، ذلك أن الوظيفة التاريخية للأمة المرتبطة بحركة الإسلام وعلاقته بواقع العدل في الأرض والدلالة على الله والشهادة على الناس، أمام هذا الدمار الهائل الذي تحدثه حضارة الغرب في واقع الانسانية، تحتم أن ننتبه إلى عامل جوهري يتجلى في أن الله جل وعلا يسوق من الأحداث ما يدفع الحركة العامة للمجتمع الإسلامي في اتجاه منسجم تماما مع مراده عز وجل في كونه ومن كونه الذي لا دخل لأحد في تعديل اتجاهه وقصده، وهو أمر متوافق مع حركة التاريخ واتجاهه. هنا ينبغي أن ننفتح على أدوات علمية جديدة في تدقيق النظر واكتشاف مآلات الحدث في أفق القيام بالواجب لصناعة تاريخ غايته إقامة واقع العدل والحرية الذي يضمن كرامة الإنسان كل إنسان ويثور ضد الاستكبار بكل قوة وحكمة وحرية واستقلال.
لقد كان على "الإخوان المسلمون" أن ينتظروا عقودا أو قرونا عديدة ليدركوا من الفهم والعلم والعمل ما طواه الله لهم ولغيرهم من الحركات الإسلامية في مدة قصيرة بين يدي هذا الحدث الجلل الذي تقف الإنسانية اليوم أمامه مأخوذة على الرغم من الصمت السائد حتى الآن؛ فهو إما صمت الصدمة أو صمت التفكر والتدبر، ولاشك أن لهذا النوع الأخير ما بعده من فتوحات لا يعلمها إلا الله ولي المتقين وحبيب المحسنين الصابرين.

ربما يفرح الانقلابيون بلحظات قتل معارضيهم ويتمتعوا بلحظات اعتقال ومحاكمة رموز الشرعية الذين صمدوا مع الشعب صمودا في ميادين مصر، لكن إنما هو فرح الغرور اللحظي العابر الذي يكشف عن مستوى القيم التي يحملها الانقالبيون كعادتهم وعن أفق نظرهم وضيق حويصلاتهم. وفي نفس الوقت يكشف عن عظمة من قُتل وشرد واعتقل وحافظ على السلمية والوطنية الحقيقية رغم الدماء والجراح والآلام التي سيحكي عنها التاريخ القريب قبل البعيد وعن بشاعتها وهمجيتها وحقارتها ودناءتها، لأن الثورة المضادة لا تكون إلا خسيسة بطبيعتها.

القضية الثانية: قيادة التغيير وبناء القوة المجتمعية

كشفت الأحداث في مصر عن معنى القيادة الضرورية لإنجاز أهداف التغيير وقيادته سواء في بعده التكتيكي أو الاستراتيجي المصيري.
فمستقبل الأمة، الذي هو مستقبل الثورة حتما، يرتبط بقضيتين جوهريتين؛ قضية القيادة وقضية بناء القوة المجتمعية عبر السواد الأعظم للأمة وفق مشروع مجتمعي واضح ومتكامل، علما أن القضية الثانية تشكل موضوع اشتغال القضية الأولى. لذلك فكل تفاصيل التغيير إنما هي جزئيات ضمن هاتين الكليتين: كلية القيادة وكلية القوة المجتمعية.
فمن المعلوم أن جماعة "الإخوان المسلمون" من أكبر الجماعات الإسلامية، بل تعتبر أمها ومن أقدمها وجودا وتنظيما، وميزتها الأساسية أنها تؤمن بالعالمية في التنظيم. ولاشك أن هذا سيطرح على عملها القطري إشكالات متعددة قد لا تنكشف حقيقتها إلا مع مثل هذه الأحداث الكبرى التي تحتاج إلى نوع معالجة تنتبه بدقة متناهية إلى تحديات المحلي والإقليمي والدولي والعلاقة بين هذه المستويات ومدى تأثيرها في اتخاذ القرارات، وكذا مدى تحالفها (هذه المستويات) عند مواجهة موقف الإخوان في هذه المسألة أو تلك وفي هذا المكان أو الزمان أو ذاك، والشاهد عندنا في الباب أمران:
الأول: يتعلق بالقيادة من حيث النوع والامتداد.
والثاني: يتعلق بالتنظيم والقوة المجتمعية والنظام.

الأول: القيادة من حيث النوع والامتداد

وهو عامل حاسم في قيادة كل معارك التغيير والإصلاح في كل المراحل؛ سواء زمن القيادة التاريخية، هي القيادة المؤسسة للتنظيم والواضعة لمشروعه في كلياته، أو زمن القيادة التي يفرزها نظام الشورى حينما يستوي عود التنظيم وتستقيم أدوات اشتغاله الذاتية.
هنا لا بد من الانتباه جيدا إلى الاختلاف الجوهري بين تنظيم إسلامي وبين تنظيم غير إسلامي على مستوى طبيعة القيادة، ذلك أن وظيفة التنظيم الإسلامي الدعوية بالمعنى التجديدي الشامل للدعوة كما أسس له الإمام حسن البنا، رحمه الله، على قصور في مستوى التفكير الذي عرضه به، جعل من القيادة ذات طبيعة متميزة بالربانية، والربانية هنا ليست بالمعنى المبسط الذي يدل على سمو في القيم التي تملأ كيان القيادة؛ بل هي تمايز جوهري بين القيادة العُلمائية أو المفكرة أو الفقهية التي تُحَصل مجموعا ممتازا في باب علم من العلوم أو فن من الفنون وبين القيادة الربانية. وهذا التمايز يجعل القيادة تقود الفرد والجماعة عبر سلوك جامع لمعاني الإحسان، ولا شك أن هذا الفرق له تجلياته في مستويات التدبير وبناء استراتيجيات التنظيم وقواعده حيت تنعكس هذه الخاصية في التوازن السلوكي العام للتنظيم إذ تحصل الممارسة السياسية في زمانها ومكانها المناسبين، ولا يمكن في لحظة دقيقة يصبح السياسي أو الفقهي أو الفكري أو غيره قائدا للمشروع بوعي أو بغير وعي من القيادة.
فجُل التنظيمات الإسلامية تمر عليها مراحل التأسيس ثم يصبح مستوى التضخم، في الممارسة السياسية والحركة اليومية مع ما يتعرض له التنظيم من ضغط هائل من جهة الواقع ومطالبه وضروراته، هو صاحب المبادرة، بل يصير صاحب التوجيه والإرشاد في كثير من الأحيان ويتوارى الدعوي ومقتضياته إلى مواقع متخلفة لا تسمح له بممارسة القيادة والإرشاد كما ينبغي.
لذلك وإن حافظت جماعة "الإخوان المسلمون" على محورية الشيخ حسن البنا في وجودها، فإنها لم تكتشف الوسائل الكفيلة بالحفاظ على امتداد الميزة الإحسانية الربانية في القيادة والتدبير، مما أفرز لنا عبر مراحل عمل الجماعة قيادات عظيمة ومتنوعة، لكن يغلب عليها الطابع العُلمائي والفكري والحركي في عملية الزحف، الأمر الذي حاصر الجماعة ضمن قوالب تجريبية ولم يجعلها منفتحة على اجتهادات تغييرية جذرية جامعة بين معنى القوة المجتمعية وجعل تغيير نظام الحكم هدفا مباشرا مع استلهام قيمة عامل الغيب واستشراف محوريته في النظر الاستراتيجي والتدبير المرحلي واليومي.
إننا هنا لا نتحدث عن مبادئ عامة، بقدر ما نريد من الحركة الإسلامية أن تدرك أنه لا مستقبل لها ولأمتها وللإنسانية مالم تستلهم بكل علمية ووضوح أهمية البحث عن القيادة الربانية الجامعة في عملية زحف متكاملة بين مصير الفرد عند الله تعالى ومصير أمته التاريخي؛ جمع في نفس الوقت بين صناعة الشهادة والاستشهاد وبين صناعة التاريخ بكل قيمه الإنسانية والكونية ونظمه العادلة والمكرمة للإنسان، كما أنه جمع بين معاني الشورى ومعاني الإحسان.
ولاشك أن هؤلاء الرجال الذين قهروا الانقلاب وأهله وقدموا أنموذجا عظيما للمواقف النبيلة سيكون اعتقالهم وسجنهم فرصة عظيمة لاكتشاف المزيد من عالم الربانية وحقائق النبوة خاصة بعد رباط عظيم شهده العالم في ميادين رابعة والنهضة وميادين أخرى، مما يجعل سجنهم رحمة لهم وحصارهم منحة وذخرا للأمة لا محنة. واكتشافهم هذا سيكون عاملا حاسما في تطوير عملية الزحف وتحقيق أهداف التغيير، وهوما سينتج فهما وعمقا ووسائل جديدة للثورة؛ أي سيعطي معنى ودفعا هائلا لثورة مصر، مما سيفتح أفقا كبيرا لكل المجتمعات العربية والإسلامية للانطلاق نحو اكتمال الولادة الجديدة وتجاوز أوهام النخبة المغربة.
وهنا، وبصفتي واحدا ممن وقفوا مع علم المنهاج النبوي، توفيقا من الله العلي العظيم، كما اجتهد في اكتشافه وصياغته الإمام المجدد عبد السلام ياسين، أقول بأن جل قيادات الحركة الإسلامية ستجد بين الواقع الجديد، بعد هذه الوقفة النبيلة أمام الثورة المضادة، وهي مؤامرة كبرى، إمكانية هائلة في اكتشاف المعنى التجديدي لنهضة الأمة مع هذا العلم، ولذلك لا نستغرب كثيرا إذا ما وجدنا الإمام المجدد عبد السلام ياسين وقف مع تجربة "الإخوان المسلمون" في كتابه القيم جدا؛ كتاب "الإحسان" وفي غيره من مؤلفاته الغزيرة، وعرض عليهم اقتراحات جوهرية تمكنهم من تفعيل الريادة في قيادة الأمة نحو التغيير الجذري والمتكامل.
ولذلك فنوع القياد في مشروع التغيير الإسلامي يتميز بالربانية الجامعة المقتحمة لمعاقل الغموض والخوف ولمعاقل الباطل بكل رحمة وقوة وحكمة ومرونة، ومن ثمة فهي قيادة تقتضي أن يتجند معها العلماء والمفكرون والمثقفون والخبراء حيث تكون وظيفتها الأساسية الحفاظ على امتداد قيم النبوة في الدعوة والبناء والتغيير لأن هذا الامتداد هو معنى وجودها، علما أن هذه القيم ليست عمليات جزئية مبعثرة ضمن هذا العلم أو ذاك ولا ضمن هذا الفن من الفنون أو ذاك بقدر ما هي قوة جامعة عبر رحمة القلب وحكمة العقل في الفهم والوعي وتوجيه الإرادة والعمل في كل تفاصيله ومستوياته.
إننا تابعنا جميعا قيادات الإخوان الراسخة القدم في ميادين الجهاد والاجتهاد خلال حوالي ثمانية عقود وهي تقود الجماعة في لحظات دقيقة من تاريخها وتاريخ الأمة، لكننا بعد رباط رابعة ورباط الاعتقال والسجون سنفاجأ جميعا بولادة نوع جديد من القيادة حسِب الظالمون سجنها نهاية، لكن سيجعله الله عز وجل الحكيم العليم فرصة الولادة الجديدة لهؤلاء الرجال، وهو ما سيكون عاملا حاسما في معادلة الصراع محليا وإقليميا ودوليا، ولا شك أن لهذا أثره البليغ والبالغ على جميع الحركات الإسلامية.
فنحن أمام لحظة تاريخية من صناعة إلهية ليكتشف الإسلاميون المعنى الحقيقي للثورة بقيادة إسلامية، ولذلك فما جرى في عالمنا العربي قبل انقلاب 30 يونيو في مصر لم يكن ثورة، لأنه ببساطة لم تعد هناك ثورة بالمعنى التقليدي، وإنما نحن أمام لحظة زمن الأمة التي تقود نهضتها الشاملة مع قيادة ربانية لا تعرف إلا البذل ثم البذل ثم البذل خدمة لهذه الإنسانية المعذبة بفعل حضارة مقطوعة عن الله عنيفة على الإنسان في أبشع صور العنف المعنوي والمادي. لذلك فلا نغتر بعبارات يكررها الإعلام في سياقات معينة، ومن ثمة فلابد من وعي دقيق بالسياق الذي ينبغي ان نعمل ضمنه والسياق الذي نحذر من خطورة احتوائه واستغلاله لقدرات وإمكانيات أمة تريد الانعتاق الكامل والحرية الكاملة. وهو ما يقودنا إلى بحث القضية الثانية والكلية الثانية: القوة المجتمعية.

الثاني: التنظيم والقوة المجتمعية والنظام

القوة المجتمعية ليست قوة عسكرية تتقوى استعدادا للحرب أو ردعا حتى لا تقع، وليست قوة سياسية محدودة الأفق، وليست قوة علمائية ضيقة النظر، وليست قوة اقتصادية يهيمن عليها منطق الاحتكار والثراء السريع، وليست قوة إعلامية تختفي وراء معنى المهنية الغامض لتروج بضاعتها؛ القوة المجتمعية بناء عضوي على وضوح تام ينظم حركة المجتمع أفقيا وعموديا بوعي كامل منه وفق مشروع مجتمعي أصيل وقيادة مجتمعية أصيلة ويتحرك صانعا لتاريخه وتاريخ أمته مقترحا على الإنسانية مساهمته في صناعة تاريخها. وبهذا فالقوة المجتمعية قوة نظام وتنظيم، مما يعني حتما أن من أولوياتها محاربة الاستبداد والفساد وكل أنظمتهما بما هي مصدر أصلي للضعف والتمزق وانعدام القوة.

1. ما بين التنظيم العالمي والنظام العالمي

من المعلوم أننا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد الاستقلال السياسي لجل الدول المستعمرة، وجد العالم نفسه بين يدي نظام عالمي غير عادل ويكيل بمكيالين. وقد كان عالمنا العربي والإسلامي، عبر الكيان الصهيوني واغتصاب فلسطين وتنصيب أنظمة سياسية عميلة وضعيفة، أكبر المتضررين من هذا النظام فضلا عن كثير من الدول المستضعفة.
وفي مرحلة من مراحل بناء "جماعة الإخوان المسلمون" صارت تنظيما عالميا ومدرسة مهمة في مجال الحركة الإسلامية، وإذا كان الأمر لا يفرض إشكالات عويصة من جهة كونها مدرسة منتشرة في العالم، إلا أن من جهة كونها تنظيما عالميا فسيجعل جهد التوجه المباشر للتأثير على أنظمة الحكم والمجتمع مرتبكا على حد كبير مما يجعل مراحل الزحف مرتبكة، خاصة في مصر، ذلك أنه، أولاّ، لا يمكن مواجهة تفاصيل نظام عالمي يغطي مجالاته العمودية والأفقية بكل قوة ووضوح عبر تنظيم عالمي، وثانيا، أنه لا يمكن استيعاب ما تجلبه من ضغوطات وإكراهات عالمية التنظيم على العمل القطري، لذلك فكثيرا ما يتدخل العالمي ليؤثر سلبا على القطري، وقد عانت الجماعة حتى في اصعب ظروفها من هذا الوضع، وهو ما يعني حتما أن بعد تجربة الإخوان ما قبل مذبحة رابعة توجب الحسم في علاقة العالمي بالقطري بترجيع العمل القطري المستقل تنظيميا، الأمر الذي سيقوي كثيرا العمل القطري ويدفع مباشرة إلى تركيز كل تنظيم قطري على مطالبه وظروفه المحلية لبناء القوة المجتمعية المحلية التي تؤسس لعملية سياسية متحررة محلية ضمن سياق صحوة ونهضة إسلامية عالمية بطبيعتها.
إنه لا يمكن مواجهة نظام عالمي ظالم إلا من خلال نظام عالمي عادل، ولذلك يجب على الحركة الإسلامية أن تتجه لبناء جزئيات هذا النظام قطريا مع الوعي الدقيق بالقيمة الاستراتيجية والمصيرية لحركة الإسلام في أفق الخلافة بما هي نظام عالمي إنساني.

2. القوة المجتمعية قاعدة النظام السياسي

الأنظمة السياسية الوراثية، سواء الملكية أو الجمهورية، أو الانقلابية غالبا ما تعتمد أسلوب القمع والترهيب والترغيب وشراء الذمم وتوظيف الأساليب القذرة في فرض نفسها عبر قوة مجتمعية وهمية من خلال احتكار مصدر الثروة والسلطة، ولذلك فهي أنظمة قابلة للتفكك والزوال كلما توفرت القوة المجتمعية الحقيقية.
من هنا ندرك قيمة القوة المجتمعية التي وفرتها "جماعة الإخوان المسلمون" في مصر وفي كثير من البلاد الإسلامية، لولا الارتباك السياسي الذي تسبب فيه المعنى العالمي لتنظيم "الإخوان المسلمون" بحيث جعل الأهداف السياسية المباشرة في القطر غامضة مما تسبب في تأخر كثير من القرارات السياسية عن موعدها المناسب ولاستنادها إلى منطق إصلاحي في سياق يفرض المنطق الثوري الذي تبلور بعد انقلاب 30 يونيو 2013.
لذلك ففي الظروف المحلية والدولية المحيطة بالعمل الإسلامي ما بعد منتصف القرن العشرين أصبح ضروريا الاتجاه إلى بناء القوة المجتمعية القطرية المستقلة وفق مشروع مجتمعي متكامل إذ تكون هذه القوة هي قاعدة النظام السياسي بحيث تصنعه وتحتضنه وتموت من أجله لكون مصلحتها الوجودية صارت مرتبطة به.
إن الانتماء العالمي غالبا ما يكون عائقا كبيرا في التقارب القطري بين الجماعات الاسلامية، لذلك إذا كان الهدف المباشر هو بناء قيادة القوة المجتمعية قطريا عبر رابطة إسلامية زاحفة نحو انتزاع قيادة الأمة وبناء نظام سياسي حر، فإنه صار واضحا أنه ينبغي أن تكون عملية بناء هذا النظام هي المعنى السياسي المباشر لتلك القوة كي تتمكن من توظيف كل امكاناتها بشكل أكثر توجيها ودقة.
ولا شك أن هذه القوة المجتمعية والنظام السياسي القطري هي قاعدة النظام العالمي الذي يمكنه مواجهة النظام العالمي الاستكباري القائم حينما تتبلور المراحل والظروف وتتوفر شروطها التي ينبغي أن يكون الوعي بها استباقي ودقيق وحاسم لدى كل القيادات القطرية المستقلة.
إن زحف القوة المجتمعية نحو بناء النظام السياسي ينبغي أن يتخلص من كل ما يعقيه وليس ضروريا له. ولذلك فبناء القوة المجتمعية هو ما يمنع التغيير الضروري من السقوط في فخ العنف والمؤامرة.

القضية الثالثة: الحرب والثورة والعنف أية علاقة؟

1. الحرب والثورة والعنف

إن ما جرى في مصر من انقلاب عسكري عنيف على الشرعية في شخص أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر يفرض على العقل المفكر اليوم في حاضر الأمة ومستقبلها، وكذا الإنسانية، أن يقف من خلال منبر الفقه العالي الذي لا تحجبه بشاعة الحدث عن استلهام دروس عملية عبر إعمال عميق لأدوات جديدة في تقييم وتقويم واقع العنف المسيطر على الحياة النفسية والفكرية والسياسية والمجتمعية في عالمنا العربي؛ عنف مقبول من طرف القوى الكبرى ومبرر من طرف نخبة عالمة ومفكرة لطالما دوخت العالم بخطابها الرنان حول الحرية والنضال الوطني والوطنية والديمقراطية والمقاصد الشرعية.
إننا أمام لحظة تاريخية لا مستقبل للجميع بعدها ما لم يتم التخلص من نظام تفكير سياسي وعلومي يفرض على الجميع عنف الحكم عبر أداة القمع العسكري والأمني. لذلك كانت قيمة الموقف السامي والنبيل ل"جماعة الإخوان المسلمون" وحلفائها في الوقوف أمام جبروت الانقلاب العسكري عبر السلمية المطلقة التي لم يبخل الانقلابيون بكل وسيلة لتصويرها عنفا، قيمة إنسانية وتاريخية، مما يفرض البحث عن مداخل ومخارج لعبة يراد من خلالها تصوير عنف الثورة المضادة قوة وسلم وحق الاعتراض السلمي عنفا وفوضى وباطل.
فمن المعلوم أن الجيوش تشكلت في إطار معنى الحرب هجوما أو دفاعا عن النفس. ودون الدخول في مناقشات متى تكون الحرب مبررة ومتى تكون غير ذلك؛ فالحرب دمار محقق، ومن ثمة لا تنفك ولا تنفصل عن العنف ما لم تكن عملية تشكيل الجيش في إطار خدمة قضية إنسانية كالدعوة الإسلامية التي قدمت أنموذجا راقيا في الدفاع عن النفس والمستضعفين عبر التاريخ، وكأنموذج بعض التدخلات الإنسانية لإنهاء حروب تحولت إلى إبادة جماعية كاملة في القرنين الأخيرين.
الشاهد عندنا أن منطق الحرب جعل من الجيوش أداة عنف بعد تضخمها إلى حد لم تعد تابعة للقرار السياسي السيادي في كثير من الدول المتخلفة مع تراكم ترسانتها من السلاح والتعبئة ولو في إطار العدو الوهمي، خاصة لما تنهزم عند مواجهتها في حرب تقليدية أمام العدو الحقيقي، إن توفر، حتى يقرر جل النخبة المغربة أن وطنا مثل مصر لا يمكن أن يحكمه إلا عسكري. يا له من تخلف فظيع كفظاعة من يؤبد حكم الأمراء والملوك بناء على منطق تبريري فقهي منحبس!!!
إن البشاعة التي عاشتها أوربا وأمريكا خلال القرن العشرين بسبب الحروب الداخلية (الحرب الأهلية) أو بين الدول دفعت الجميع إلى ضرورة الوصول إلى مستوى الاستعداد الحربي في كل المستويات العسكرية والنفسية حتى يجعل من الحرب التي يتم الإعداد لها مستحيلة الوقوع بسبب الوعي بحجم الدمار الذي ستحدثه، ومن ثمة يكون الانهزام والانتصار محققا دون خوض الحرب، الأمر الذي لم يحصل مع الجيوش العربية في مواجهة العدو الصهيوني، في حين تضخمت آلة العسكر داخليا فلم يبق أمامها إلا أن يكون الحكم والسلطة والثروة الهدف المباشر لجنرالاتها المتنفذين، ليكون السؤال المسكوت عنه كثيرا: ما هي العقيدة العسكرية لجيوشنا العربية أمام ما نراه من بطش مرعب تنفذه في حق المواطن البسيط؟
إن القضايا النووية التي عرفها العالم في القرن العشرين، وإن أنشأت مستوى هاما من توازن الرعب والردع، فإنها فتحت بابا كبيرا للدمار الحقيقي وللاستعمار الجديد الذي جعل من العالم رهينة بيد القوى الكبرى، في حين تضخمت الآلة العسكرية بعد حصول الاستقلال السياسي لدى الدول الضعيفة. وهو ما كرس منطق الانقلابات العسكرية وحكم العسكر أو توظيفه لفرض السيطرة المطلقة على السلطة والثروة، بل وظفت دول مستكبرة الانقلابات العسكرية لفرض التبعية لها والتخلص من أنظمة سياسية لم تكن على مزاجها.
إن سيادة منطق الحرب في القرن التاسع عشر والقرن العشرين جعل من أواخر هذا القرن وبدايات القرن الواحد والعشرين قرن السلاح المنتشر والسيادة للبندقية، في حين بقي مطلب الحرية بعيد المنال، رغم التضحيات الجسام، ومطلب النضال السلمي حلما لا تسمح قوة البطش العسكري ببقائه طويلا حيا ورائدا، مما جعل الثورات، غالبا، إما بعد حرب مدمرة أو تكون هي مقدمة أساسية للحرب (داخلية أو خارجية). ولعل جل حروب وثورات القرن العشرين خير دليل على هذا، الأمر الذي يفرض مجددا السؤال عن ماهية الثورة ومآلاتها، ذلك أن الثورة، بمعناها السائد، كالحرب التي لا يمكن أن تكون إلا عنيفة نظرا لما تخلفه من آلام إنسانية؛ فالحرب لها عدو والثورة لها ثورة مضادة عدو قد تنتصر عليها وتُفشل مسارها إذا ما توفرت شروط ذلك، ساعتها يكون انتصارها ساحقا لأنه محكوم، حتما، بمنطق الانتقام وإنهاء روح ومصادر الثورة. هنا يكون منطق عسكرة الدولة ومؤسساتها هو الحل لمنع الثورة من العودة أو تأجيلها إلى حين على الأقل خاصة مع استمرار طمع جنرالات عساكر لم يخوضوا معارك مع العدو الحقيقي وتضخمت سلطتهم وثروتهم وجاههم وطمعهم وتحالفاتهم مع الفساد والمخابرات الدولية التي لم تترك مكانا حساسا إلا سخرت عملاءها وخبراءها لاختراقه واحتواء مساراته، لذلك سيكون الجواب العلمي والعملي عن هذه القضية عسيرا، إذ هل يمكن أن تصمد السلمية مع تحقيقها الانتصار أمام بطش انتقامي ماكر ومتآمر وعدواني وعنيف عنفا شاملا؟
سنحاول هنا استلهام التجربة المصرية في كلياتها حتى لا يحجبنا الحديث في أخطاء جزئيات الحراك، بما هي تجربة مفصلية تاريخيا وقيميا، ذلك أن انتصار السلمية على العنف في لحظة حاسمة، تعني الحياة أو الموت لكلا طرفي الصراع، يمهد للدخول مباشرة في مرحلة تاريخية جديدة كليا على مستوى تفاصيل الحياة السياسية والمجتمعية والدولية.
إنني هنا لا أريد أن أسائل النخبة المغربة عن علاقتها المبدئية بمفاهيم الحرية والديمقراطية والوطنية والاستقلال وغيرها من المفاهيم التي أسالت مدادا غزيرا ودماء عزيزة، ذلك أنه في مقالات عديدة منذ أواخر التسعينات أكدنا على أن الخلاف سياسي وجزئي بين النخبة المغربة والأنظمة السياسية القائمة في أمتنا، وأن المرجعية في عمقها النفسي والفكري واحدة. لذلك حينما يحمى الوطيس وتصبح المسالة مسألة حياة أو موت لا نجد غالب هذه النخبة، خاصة المحترفة للسياسة، إلا حليفا مصيريا لأنظمة لا علاقة لها بالشعب، لأنها لا علاقة لها بمرجعيته التي تشكل ماهية وجوده التاريخي والوجودي والمصيري. لا نسائل هذه النخبة عن علاقتها بتلك المفاهيم ذات الكيل بمكيالين كما بينتها وقائع لا تحصى منذ بروز الحركة الإسلامية في الواقع السياسي والمجتمعي، لكن يجب القول إنه أصبح من باب الالتزام الفكري، على الأقل، إعادة النظر جذريا في مفاهيم الديمقراطية والوطنية والحرية كما يروج لها من طرف هذه النخبة وإعلامها. ومن ثمة تدقيق الموقع والموقف من هذه النخبة ومن مفاهيمها ليكون أفق حركة المجتمع واضحا تمام الوضوح. وهنا، بكل موضوعية علمية ودون تعصب بالتأكيد، أحيل على فقه الإمام المجدد عبد السلام ياسين، في المسألة حيث خصها بالحديث الطويل والعريض نظرا لأهميتها في البناء النفسي والإرادي والفكري والمجتمعي والتاريخي المصيري، ذلك أن سياقات بناء المعرفة والعلم وصياغتها ضمن مفاهيم دالة يجعل الأمر مترابطا بين هذه المفاهيم حتى ولو لم يحصل الوعي بهذا الترابط الدلالي المتجلي في قضايا عملية.
فمفاهيم الديمقراطية والحرية والحرب والثورة وأخواتها متعانقة ضمن حلقات الوعي بالذات لدى الغرب وصائغة لأنظمته في الفكر والسياسة ومنتظمة ضمن نمط من العلاقات الدولية يهادن حينما تكون المهادنة لصالحه ويعادي بعنف قاتل حينما تكون العداوة والعدوان لصالحه لا لغيره، مما شكل لديه نمطا معينا في علاقته مع الآخر.
ما نقصده هنا أنه آن أوان الوعي الحاسم بضرورة تجاوز ضياع وقت وجهد الأمة في اللهث وراء سراب الإصلاح المؤطر بمثل هذه المفاهيم الذي لن يتحقق ضمن سياق متحكم في آلياته الكبرى وفي مآلاته باعتماد منطق القوة الناعمة الحاسمة والاستبداد الناعم الممزق اللذين يخفيان من وراء نعومتهما عنفا شاملا ومطلقا لا رحمة فيه؛ عنفا يشكل الجانب المعنوي فيه أخطر ما يهدد الإنسانية مكملا مهمته بشقه المادي الشرس والمدمر لكل قوى الإنسان والمجتمع.
لقد وصلنا إلى حد لم يعد منطق الردع عاملا مانعا من نشوب حروب داخلية وهي أكثر فتكا، لأنها تمزق المجتمع كله، أو خارجية؛ بل صار العالم قرية البطش بالناس وتشريدهم حيث لا إشكال أن تنقض آلة العسكر على السلطة وتغير نظاما منتخبا وتقتل وتعتقل بالآلاف وتحرق المنازل وتشرد أهلها دون أن يلاحظ غضب للضمير العالمي، ولا بأس أن يبطش نظام بثوار ولو بالكيماوي، ولا بأس أن يفعل نفسَ الأمر احتلالٌ بأصحاب الأرض ويعتبر ذلك الضمير العالمي الشكلي السائد دفاعا عن النفس أو نشرا لقيم الديمقراطية...
تُعلمنا التجربة المصرية اليوم، على مرارتها، درسا عظيما ربما لو اجتمع معلمو العالم واشتغلوا عليه عقودا أو قرونا لإقناع الكثير به ما أفلحوا؛ إنه درس خيار القوة لا العنف، إذ هو الخيار الوحيد الباقي أمام الأمة لتحقق استقلالها وعزتها وكرامتها، ومن ثمة عزة واستقلال وكرامة الإنسانية.
نعم خيار القوة، لكن ليس بالمعنى المفروض ضمن السياق الغربي الذي لا يجعل من القوة إلا العنف والدمار كما صاغته الحضارة الغربية، خيار القوة الحاصلة ضمن سياق حركة قيمة الرحمة القلبية وقيمة الحكمة العقلية، ومن دون هذا الخيار لن تكون القوى الحية والصادقة إلا رقما من أرقام لعبة الأمم في سياق منطق حضارة قائم على معنى الاستعمار والتوسع ولو اقتضى ذلك عنفا مباشرا وكيلا بمكيالين.
انتباه: ليس هذا حديث العاطفة حينما نتكلم عن الرحمة القلبية والحكمة العقلية؛ ولذلك كتبنا في مناسبات عديدة وتكلمنا عن العلاقة بين هذه المفاهيم وما تطلبه من شروط نفسية تربوية تعليمية وسياسية اجتماعية، وتنظيمية مجتمعية، وهكذا، انطلاقا من معنى "علم المنهاج النبوي". إنه حديث الكشف عن كليات التجديد الشامل الذي يعيد جذريا بناء أنظمة التفكير والسياسة وجزئياتها وقواعد السلوك الفردي والمجتمعي والتأسيس لنظام علاقات دولية عادل بقوة الرحمة وحكمة القوة.
هنا، ودون أن يحجبنا الخلاف المذهبي، يجب أن نقف عند تجربة الإمام الخميني، كما لم يحجبنا الخلاف في الدين أن نقف مع تجارب إنسانية وقعت هنا أو هناك في التاريخ البشري.
أقتصد في تجربة الخميني قبل أن تتقهقر ثورته إلى معنى مذهبي ضيق، وقبل أن تتقهقر أكثر إلى معنى فارسي؛ فصارت في الأخير في نفق تسلسل انتمائي قاصر: فارسي ثم إثنى عشري ثم إسلامي، مما حجم دورها التاريخي بشكل لم يجعلها أمل المسلمين والمستضعفين كما نظر لذلك الخميني، رحمه الله تعالى.
أقصد في تجربة الخميني أنه لا يمكن بناء نظام سياسي كامل إلا من خلال ثورة كاملة في عالمنا الحديث حتى نتمكن من خوض المعارك من موقع القوة لا من موقع الضعف. ولعل لهذا شاء المولى، عز وجل، أن تكون هذه الثورة فلتة تاريخية من يد الغرب القابض على تفاصيل حياتنا؛ فلتة ربما أقسم الغرب أن لا تتكرر ولو اقتضى الأمر استعمال القوة؛ أي العنف الشامل كما يفهم الغرب القوة، لذلك كان لزاما على هذا الأخير ضرب كل القيم عرض الحائط لإفشال تجربة الإخوان على ضعفها السياسي.
إن المدخل لتفكيك العلاقة بين الحرب والثورة والعنف هو القدرة على صناعة سياق جديد كليا يقطع كل عمليات البناء المجمعي عن سياق غلبة الغرب الذي شكل هذه العلاقة، إذ لا يمكن فصلها إلا بتفكيك كل بنياتها على أرض الواقع في النفس والفكر والممارسة اليومية في بناء مؤسسات المجتمع وهياكله، ومن ثم حتمية بناء كليات جديدة تبني جزئياتها الجديدة على أرض الواقع ضمن سياق جديد ومتحرر.

2. القوة والقومة والسلام الدولي

حينما تكون الآلة العسكرية والأمنية وسيلة لحسم الخلاف فتقتل وتشرد الصغير والكبير والمرأة والرجل، ولا تميز بين المعترض السلمي والرافض العنيف، فإنما هي الوجه الآخرة لعملة العنف الثوري الذي هيمن على ظاهرة الغضب العارم لإسقاط أنظمة الاستبداد والفساد حتى ولو كان البديل عنها غامضا يتيح فرصة نجاح الثورة المضادة بسرعة أو يفسح مجال سوء التفاهم المدمر.
تكون نهاية استعمال الآلة العسكرية في الحرب، في الغالب، بيد القرار السياسي، أما حينما تكون انقلابا فلا أحد يملك منعها من استمرار بطشها بشعبها سوى الشعب نفسه، خاصة في ظل نظام دولي يكيل بالمكيالين وضمير إنساني شكلي يعير بمعيارين.
لذلك لا أمل في وقف هذا النزيف الانقلابي وتبعاته ضد الحرية في عالمنا العربي سوى الانتقال من معنى الثورة السائد إلى معنى تجديدي للثورة حيث إنجاز التغيير الجذري الذي أصبح الوعي بحتميته وضرورته حتى لدى أعدائه، والانتقال من معنى العنف في العلاقات وتدبير الخلافات إلى معنى القوة البانية لمجتمع قوي لمنع كل تدمير في الكيان الإنساني الفردي والجماعي والكوني، والانتقال من نظام دولي قائم على الحرب لفرض السلام (الذي صار وهما) إلى نظام دولي قائم على السلام الحقيقي لمنع الحرب، والانتقال من سيادة الضمير الإنساني الشكلي من خلال منظمات شكلية إلى الضمير الإنساني الحي الذي يبني مؤسسات القوة والعدل والحرية.
هذا الانتقال ليس قفزة في فراغ، ولا عملية ترقيع أو تلفيق بين القضايا والمفاهيم والحضارات، ولا هو عمليات سياسية جزئية إصلاحية، ولا هو شكل تنظيمي عمودي، إنما هو وضوح شامل في إدارة وتدبير عملية الصراع والتدافع داخل المجتمع وفي إطار العلاقات الدولية بما يفرض ضرورة الوعي بممارسة الدور داخل المجتمع المحلي والدولي من خلال الحجم الحقيقي بحيث لا يمكن أن تحكم الأقلية عبر العنف، ولا يمكن أن تحجم الأغلبية الأقلية من خلال العنف. ولذلك قلنا في مقال سابق أن ما سمي بالربيع العربي يفرض حتمية الوعي بضرورة الاصطفاف المجتمعي والسياسي تفاديا لأي خلط في المواقع والمواقف والأدوار. فقوة المجتمع وحكمة القيادة المنتخبة هو ما يتيح إمكانيات التوازن الحقيقي والعادل، أما العنف فهو أعمق دليل على الضعف والخوف. والغموض والخوف والضعف ثلاثي شكل واقع التخلف لدينا.
وإذا أزالت الشعوب اليوم عامل الخوف بعد تضحيات جسام وأسقطت بعض رموز أنظمة سياسية وهددت أخرى فتكون قد قامت بدورها الأساس؛ فإن واجب القيادة أن تزيل عامل الغموض والضعف لتكتمل صورة التحرر بحيث من موقع القوة ودون خوف يعلم الجميع إلى أين المسير والمصير وكيف على وضوح تام.
فحينما ينهض المجتمع لتحقيق أهدافه بوعي ودون عنف فهي القومة لما تكون القيادة رافعة شعار "هي لله هي لله"، وحينما يفرض الشعب قيادته المنتخبة ويفرض عليها هذا الاختيار أن تكون إرادتُها إرادتَه فهي لحظة الانتصار الحق. لذلك يجب على قيادة التغيير الجذري أن تنتبه إلى عدم وجود انقسام عمودي داخل المجتمع حيث التغيير الجذري إذا اصطدم بواقع الانقسام المجتمعي العمودي قد يتحول إلى حرب داخلية في الغالب.
ومقتضى هذا أن القيادة المجتمعية في إطار بناء القوة المجتمعية ينبغي أن لا تسمح البته بأي اختراق للمجتمع يقسمه عموديا وحتى أفقيا؛ أي أن التغيير الجذري حتى يكون منسجما مع منطق القوة التجديدي لواقع الثورة الحقيقي (القومة) يجب أن يؤسس لكل ضمانات تمنع حقا ممارسة العنف على أي صورة من صوره، وهنا تكمن قيمة "الميثاق"، وقيمة "الجبهة المجتمعية" لا الجبهة السياسية، أي قيمة الوعي الاستباقي بمسار حركة المجتمع وأفقها ومآلها مع الانتباه إلى العمق الاستراتيجي لهذه الحركة ضمن الحراك الدولي في كل تفاصيله ومجالاته.
ستكون هناك فئة لا شك تشتغل بوعي منها على هذا الانقسام، لأنه عامل توازن ضروري بالنسبة لها، لكن يجب على قيادة التغيير الجذري أن تجعل من هذه الفئة هامشية حيث من خلال مزاولة الوضوح بالتلقائية لا تسمح حركة المجتمع باحتلالها أي موقع تأثير. وهو الأمر الذي لم يحصل في مصر حيث تضافرت عوامل كثير حتى صار المجتمع في الواقع يعاني من انقسام عمودي أضعف حركته، مما يفرض على قيادة التغيير في مصر تدارك ما يمكن تداركه لفتح الباب أمام بناء القوة المجتمعية التي تشكل بوصلة الحراك العام في هذه اللحظة الحاسمة. ومن مقتضيات هذا تجنب الآثار العملية للخلافات بين مكونات قيادة التغيير الجذري وبناء رابطة قوية أمام عنف الواقع ومكره.
إن الاشتغال ضمن سياق حركة هذه المفاهيم الثلاث: القوة والقومة والسلام العالمي لا شك أنه سيؤثر جوهريا في بناء مواقع الحراك ومواقفه ومضمونه، بحيث يفرض الانتقال من سيادة منطق الإصلاح في رسم استراتيجيات حركة المجتمع إلى سيادة منطق القوة ضمن حركة ثلاثي: الرحمة والقوة والحكمة الذي ينظم حركة المجتمع أفقيا وعموديا وبه تنتظم.
ليس هذا تنظيرا أكاديميا مجردا كما يعتقد البعض، ولا حلم السبات العميق على أرائك النضال الهامشي والكراسي العلومية، بل ثمرة إعمال قواعد الفقه العالي الذي مصدره "علم المنهاج النبوي"، وهكذا فالحركة الإسلامية، خاصة في مصر اليوم، بموقفها الجذري من الانقلاب وعنفه واستمراره سيجعلها متقدمة جدا في اكتشاف منطق القوة غير العنيف، وهو منطق سيتقدم بحركة الأمة في بنائها وصراعها مع أعدائها خطوات هامة، في حين سيكون منطق التنازل هو سماح بفقد مواقع ليحتلها الغير إن لم يكن هذا التنازل حكمة (يكون مقبولا) أو تصحيحا لخطأ سياسي هام عبر درج التنازلات (تصحيح خطإ بخطإ) مما يعني بقاء واقع الضعف.
إن خطأ احتلال موقع معين دون وقته المناسب هو خروج عن سياق حركة ثلاثي الرحمة والقوة والحكمة، وقد يؤدي إلى تحريف مسار المعركة وفتح جبهات في غير وقتها، وهو ما سيبدد جهودا ضخمة للحيلولة دون الانتكاسة الكبرى ساعتها، إذ الانتكاسة في تدبير قضية الحكم انتكاسة كبرى، حيث يشكل موقعا اختباريا تحت الضغط الشديد، ولأنه اختبار للعلاقة القائمة ومستواها بين ثلاثي: القوة والقومة والسلام العالمي؛ أي كشف مستوى ما تتوفر عليه الحركة الإسلامية ساعتها من إمكانيات في تدبير هذه العلاقة في اتجاه تحقيق أهداف العدل والحرية والكرامة، وإمكانياتها في الاختراق الضروري لمنظومة الضمير الدولي الشكلي وبناء الحقيقي وفق ما نسميه بالوعي المرحلي الدقيق الذي يشكل بناءات الوعي الاستراتيجي المصيري العميق. من هنا يجب البحث عن السند الاستراتيجي الحقيقي للثورة (القومة).

3. السند الاستراتيجي للثورة (القومة)

لا ثورة من دون سند استراتيجي، لأنه عامل حاسم في النجاح وضمان الاستمرارية.
فقد يكون السند خارجي كما هو شأن كثير من الثورات خلال الحرب الباردة، أو بعدها، وهو الغالب، وقد يكون سندا داخليا لكن السؤال حول جدواه يبقى واردا.
ودون الدخول في مناقشات مدى استقلال أي ثورة حينما يكون سندها خارجي إذا لم يكن معيقا لها أو عامل إقبارها، وارتباطا بموضوعنا –اعتماد الفقه العالي في استنباط دروس مصر اليوم- فإن العامل الذاتي حاسم ويتجلى في عاملين تمت الإشارة إليهما سابقا وكانا موضوع بحث القضية الأولى والقضية الثانية: عامل الغيب وعامل تنظيم وتعبئة وبناء وعي السواد الأعظم للأمة بما يوفر القيادة الربانية المجاهدة والقوة المجتمعية الهائلة حتى تلتقي في لحظة تاريخية إرادة تلك القيادة بإرادة هذه القوة فتكون لحظة النصر المبين. وهي لحظة الالتحام الكامل بين إرادة السواد الأعظم من خلال حركته الكلية وبين حركة الغيب في واقع الناس.
إن ما يناسب المعنى التجديدي للثورة، وهو معنى القومة، يقتضي تغييرا جوهريا في معنى السند الاستراتيجي. ولذلك حتى إذا حاصر العالم القومة وتوفر لها السند الاستراتيجي المصيري المتمثل في عامل الغيب وقوة السواد الأعظم للأمة الواعي كان النصر الحاسم المتجلي ليس فقط في إنهاء الانقلاب بل في تغيير مجرى التاريخ.
ولهذا ترتبط قضية السند الاستراتيجي بأمرين؛ استقلال الثورة (القومة) وامتدادها في التاريخ من حيث هي قيمة إنسانية شاملة، ومن ثمت فالسند الاستراتيجي امتداد عالمي لروح الدفاع عن المستضعفين وكل القيم الإنسانية، لذلك فهو ليس تنظيما عالميا ولا معنى قوميا يشمل قطرا أو أقطار، بقدر ما هو تحرك تلقائي واع لكل قوى الصدق والمروءة المدافعة عن الإنسانية المتخلصة من قبضة الضمير الإنساني الشكلي السائد اليوم والضاغطة عليه ليتبنى حقا حقوق المستضعفين والمقهورين والمعتدى عليهم بما فيهم الأجيال القادمة لتعيش حرة وكريمة، والمتخلصة من قبضة القومية داء العصر وفيروس الغرب في أمتنا.
لذلك ليس عبثا أن يكون من قدر الله ما حدث في مصر اليوم مصدر مرض القومية العربية التي شكلت عقيدة الجيش العربي على غموض شديد فيها وضعف هائل لم يسمح لها بالصمود أمام الصهيونية وعقيدتها، فانفجر في وجه الحركة الإسلامية عنفا وغضبا لم يقف عند المحاكمة والإعدام بل تجاوز ذلك إلى كل صور التعذيب والتشريد والاضطهاد. ومن ثمت لا نفاجأ إذا ما كان إعلان موقف مرسي من المسألة السورية نقطة أفاضت الكأس في العلاقة مع قيادة الجيش الواضعة كل جهدها وبصرها على كرسي الحكم، كما لا نفاجأ أن يقف كثير من القوميين موقفا إيجابيا تجاه الانقلاب وسلبيا تجاه الدفاع عن الشرعية لأن قيادتها إسلامية.
الشاهد عندنا هنا أن الرهان على السند القومي العروبي في الثورات العربية رهان خاسر تماما، لأنه لا يمكن الرهان في بناء القوة الحقيقية على مرض ما، ومن ثمت إذا ما تم إثبات هذا عمليا في مصر اليوم فسنكون أمام تحول جوهري في طبيعة امتداد الحراك العربي ليتحول إلى ثورة حقيقية تروم الحرية الشاملة في إطار حياة سياسية ومجتمعية عادلة، لأن السند الحقيقي يكمن في هذا السواد الأعظم لأمة الإسلام كما بين لنا ذلك تضامن الشعوب الإسلامية، خاصة غير العربية، مع المضطهدين في مصر وسوريا في الوقت الذي تخلت النخبة العربية القومية بل منها من شن هجوما هائجا على تجربة "الإخوان" في مصر وغيرها من التجارب.
فما نريد تقريره في قضية السند الاستراتيجي من خلال الدرس المصري اليوم هو أنه إذا ما تم التحام عامل الغيب مع عامل قوة السواد الأعظم للأمة كان الوضوح وكان النصر التاريخي حيث تكون القوة التي لا تقهر.
وإذا كانت قاعدة السواد الأعظم هي الشباب، فلاشك أنها هي قاعدة القوة المجتمعية.

القضية الرابعة: الشباب وتجديد الثورة

1. محورية الشباب في بناء القوة المجتمعية

من المعلوم أن الحركة الإسلامية في دول ما سمي بالربيع العربي دخلت متأخرة على خط الثورة، وليس هنا مكان تقييم هذا الموقف، إلا أن المؤكد أنه من المحيط إلى المحيط اعتبر دخولها المتأخر مكسبا هاما حيث هي التنظيمات الأكثر تنظيما وانضباطا وقدرة على استيعاب ميادين الثورة، مما قلل إلى حد جيد جدا مستوى العنف في هذه الثورات وحسم المواقف بسرعة وقوض التدخل الخارجي وامتداده إلى حد مفاجئ، الأمر الذي فوت الفرصة على نظرية "الفوضى الهدامة" التي تشتغل عليها المخابرات الأمريكية والصهيونية وبعض الأوربية منذ أمد بعيد ولا تزال.
وقد كان من وراء هذا المستوى من الاستيعاب في مصر كفاءتان هامتان؛ الأولى تتجلى في وجود قيادات متوسطة ومحلية (أغلبها شباب) ذات خبرة ممتازة في باب التنظيم والانضباط، والثانية تتجلى في القاعدة الهائلة من الشباب ذكورا وإناثا المشاركين بوعي وإرادة في تنظيم يوميات الثورة وحلقاتها في اتجاه أهداف واضحة تُطعمها المكاسب والانتصارات اليومية لحركة الثورة وشبابها.
فما ينبغي التأكيد عليه هنا أن غالبية هؤلاء الشباب خريجو الجامعات أو المعاهد أو المدارس أو طلاب جامعات وتلاميذ، دون أن نغفل القوة المهنية والعمالية إذ كان لهذه الفئات الدور الجيد في الاحتشاد الواعي والتأثير عليه في الاتجاه الصحيح، وقد كان جل هؤلاء رموزا طلابية في الفترة الجامعية، مما قوى عنصر المفاجآت الضروري في مثل هذه المناسبات.
ومن المعلوم أن هناك تغطية هامة من طرف الوجود الإسلامي لكل القطاعات خاصة جماعة "الإخوان المسلمون" والمتعاطفون معها؛ إذ عايشنا جميعا الوجود الشبابي في ميادين الثورة وكثافة مشاركته ونوعيتها، مما يجعلنا مضطرين إلى عرض معنى تجديدي لحركة الشباب عبر تصحيح مفهومها وكيفيات امتداد علاقاتها المجتمعية أفقيا وعموديا، ذلك أن الثورة بمعناها التجديدي (القومة) رهينة بتحقيق المعادلة الحركية التي تجعل الشباب من خلال معنى الفتوة قاعدة الحركة المجتمعية، لكن هذه القاعدة لا قيمة لها دون حصول مستوى التطابق الحاسم في بناء هذه الحركة المتجلي في التحام إرادة هذا الشباب، الواعي بدوره ومهامه، مع إرادة العلماء العاملين ضمن قيادة ربانية جامعة لأطراف الحركة ومفاصلها وتفاصيلها وآفاقها؛ ربانية ضامنة للاستمرار على مر الأجيال بضمان معاني امتداد المعاني النبوية، ذلك أننا لم نعد أمام ثورات سياسية كما هو شأن القرن الماضي، بل نحن أمام قومة شاملة ممتدة في التاريخ الإنساني وظيفتها الأم أن تبعث قيم النبوة الجامعة لحركة الإنسانية؛ وهو ما يعني أن غياب هذا الالتحام بين الإرادتين يجعل حركة المجتمعات العربية والإسلامية في دوران الضعف المُمَكن للصهيونية والاستعمار والاستبداد والفساد.
إن هذا التقرير، الذي سيكون من أهداف هذا البحث الاستدلال عليه نظرا لأهميته وخطورته، ليس تنظيرا مجردا بقدر ما هو عمليات حاسمة لها تفاصيلها في مجالات النفس والسياسة والبناء المجتمعي هيكليا وتنظيميا؛ فهي عمليات ذات عمق استراتيجي مصيري في تحريك قوى وقطاعات المجتمع، وذات عمق عملي يومي في تحريك الهياكل والتنظيمات والإرادات الفردية والجماعية على قواعد تجديدية جامعة هدفها المباشر بناء القوة المجتمعية الواعية ذات الإرادة الفولاذية الصامدة نحو الهدف الواضح المتجلي في بناء نظام سياسي حر يضمن حرية وكرامة الأجيال الحالية والقادمة في الاختيار، ذلك أن توفير شروط الاختيار الحر في حركة الأمم مقدمة كبرى لتوفير شروط المعرفة بالخالق سبحانه ودلالة الإنسانية على باب الرحمة الكامل.
لذلك لا ينبغي أن نغفل أن خلال العقود الأخيرة تم اختراق حركة مجتمعاتنا من خلال مفاهيم دقيقة لها تفاصيلها العملية والنفسية والفكرية والحركية والسياسية، وغيرها، مما كرس واقعا استعماريا جديدا بالغ الأثر، مع التأكيد على أن هذا الاختراق استغرق وقتا طويلا بهدوء ماكر مكر الاستعمار بما هو مقدمات ضرورية لتمزيق الأمة شر ممزق.
لقد فاجأت الثورة المضادة في مصر كثيرا من الناس والحركات لما أظهرت حجم مشاركة الغرب فيها، وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى مفهوم المجتمع المدني حيث من نتائجه سيادة العمل الجمعوي كأداة فسيفسائية سهلة التحكم من طرف أنظمة سياسية متحكمة في كل شيء، كما هي سهلة الاختراق والحصار والاحتواء، ومفهوم التنمية البشرية كأداة استراتيجية هامة في ترسيخ قواعد السلوك وأنظمة التفكير في سياق متحكم في مساره عبر ترسيخ عادات نفسية وذهنية تنعكس على كل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية صياغة وتدبيرا، الأمر الذي ينتج سيادة نمط تفكير إصلاحي ضمن نظام التبعية الهادئ والإرادي للغرب، وفي أحسن الأحوال يسمح ببناء معارضة من داخل قواعد اللعبة الغربية المفروضة علينا محليا ودوليا.
لقد كان من النتائج العملية لهذا الاختراق، الذي استغرق حوالي قرن من الزمن، تكريس اضمحلال التوجه الثوري في مخاطبة ما يفعله الغرب والصهيونية بكل إمكانياتنا المادية والبشرية، إذ لولا بروز المقاومة الإسلامية أواخر القرن العشرين بإعطائها أنموذجا يصعب كسر شوكته لكنا في عالم آخر غير الذي نحن فيه الآن.
الشاهد عندنا في الباب، مع ضرورة تجاوز الانقلابية الثورية العسكرية، أننا صرنا مجتمعيا ضمن إرادتين في التغيير والإصلاح، الأولى كرست كل جهدها في محاولات التعامل مع هذا الواقع الذي فرضه الغرب لفظا ومضمونا في سياق منطق إصلاحي يستند على منطق تبريري مصلحي حتى صرنا نجد إسلاميين يصدرون اجتهاداتهم من معين تلك المفاهيم بوعي أو بغير وعي. والثانية مستندة إلى موقف جذري تختلف درجات وضوحه بناء على مدى شموليته المرجعية ووضوحها.
لقد تضافرت عوامل عدة رجحت كفة الإرادة الأولى حيث عانت الإرادة الثانية في وجودها وتطورها من إعاقة شلت حركتها في مناسبات تاريخية دقيقة، خاصة لما لم تساندها معطيات واقعية وخذلها الضمور العلمي والفكري من حيث بناء قواعد علمية وفكرية جديدة قادرة على توفير العامل الذاتي للمقاومة واختراق الواقع. وهنا لا بد أن نسجل للحقيقة والتاريخ آثار المقاومة الفلسطينية، خاصة لما تبنت المرجعية الإسلامية، والمقاومة في لبنان، خاصة لما تبنت المرجعية الإسلامية كذلك، كما لا ينبغي تجاهل الآثار الكبيرة لثورة الخميني رحمه الله، ولما عاشه العراق بمقاومته للاحتلال الأمريكي.
إن الإرادة الأولى، إرادة الإصلاح، وبحكم حجم الضغط الاستعماري الصهيوني، وفرت فرصة كبيرة وهامة للاختراق الهائل للاستعمار الغربي بقيادة الأمريكي في تفاصيل دقيقة للحياة اليومية لمجتمعاتنا إلى أن صار الفساد السياسي والمجتمعي على حجم لا يطاق، مما وفر أرضية خصبة لاسترجاع روح الثورة والمقاومة التي طردت المستعمر المباشر.
الشاهد عندنا هنا أنه مر على حركة الشباب في عالمنا العربي ضغط شديد لإنهاء الإرادة الثورية، خاصة لما هيمن الغموض والعنف على هذه الإرادة منذ ستينيات القرن العشرين بين يدي بطش فظيع من جهة أنظمة سياسية قائمة على القمع والاستبداد الذي تحول إلى فساد مطلق، فكانت النتيجة أن تحولت إرادة العمل الشبابي، في الغالب، إلى الرهان على العمل الجمعوي نظرا للأهمية التي أصبح يحتلها داخل الحراك المجتمعي مما استهلك جهودا ضخمة مقابل نتائج لا ترقى إلى حجم الطموح فكان رهن إرادة الشباب ضمن أنظمة العمل الجمعوي، كما تفرضه القيود القانونية، ضياع لكفاءة وقوة في مجال لن يكون إلا هامشيا في الأصل الثوري. وما ينبني على هذا أن الانتقال بالحركة الطلابية، وكذا التلاميذية والمهنية والعمالية والحرفية، من معنى النضال المجتمعي الشامل، الذي لا يكون العمل الجمعوي إلا جزءا يسيرا منه في سياق حركة تجديدية مستقلة، هو انتقال من موقع القوة إلى موقع الضعف، ومن ثمت خسارة كبرى على المستوى الاستراتيجي المصيري لحركة المجتمع ككل، ذلك أن رهن إرادة الشباب ضمن عمليات جمعوية جزئية ومحدودة إنما هو كسر لإرادة في أصلها قوية وقابلة للتنظيم والبناء الحر نظرا للإمكانات الهائلة لدى هذه الفئات والقطاعات في الحركة والمشاركة.
لقد كشفت لنا التجربة في مصر اليوم أن كل ما منحه الاستبداد، بعامل الضغط أو إرادة الاحتواء، ينزعه حينما تكون الفرصة سانحة، لذلك فما كان من الثورة في مصر إلا أن وظفت إمكانيات التواصل المتاحة اليوم مع استدعائها خبرتها ورصيدها من النضال المجتمعي عبر تاريخها لاسترجاع مكتسبات ضحت من أجلها سابقا وفقدت الكثير منها حاليا، ولو كان هذا الرصيد الهائل مستندا إلى إرادة ثورية قوية ممتدة في تاريخ الحركة الإسلامية لا إلى إرادة إصلاحية لكان النصر تاريخيا وعظيما بعد إسقاط نظام مبارك حيث ستفتح آفاق هامة لكل مستضعفي العالم نحو الحرية الحقيقية.
إننا في حاجة إلى استلهام معنى الثورة الشعبية الحقيقية وفق السياق الذي تحدثنا عنه في بحثنا هذا عند القضية الثالثة منه، استلهام يحقق الأهداف التالية:
أـ تحديد مصادر القوة المجتمعية.
ب ـ التوزيع الحكيم للقوة المجتمعية.
ت ـ بناء استراتيجية النضال المجتمعي الشامل عبر قوة التنظيم وقوة التعبئة العامة بحيث تتضافر بوعي مجهودات القطاعات من خلال التموقع السليم في مواقع القوة المناسبة لكل قطاع حتى تشكيل تحالف عضوي مجتمعي، ليس فوقيا، يكون مرجع الحركة العامة ومصدر اختياراتها بما ينجزه على أرض الواقع من هياكل وأساليب جامعة تعمم مبدأ الشورى في الحياة العامة تحقيقا لقيم الاختيار القوي.

2. المعنى الهيكلي للقوة المجتمعية

إن تحقيق تلك الأهداف، خارج سياق المنطق الإصلاحي القابل للاشتغال ضمن القواعد النظامية الرسمية للعبة السياسية، يحتم على الحركة الإسلامية أن تقف أمام الدرس المصري اليوم حتى تتمكن من الوعي الحاسم بالذات التي تصنع، بكل حرية مهما كانت درجة القمع الذي تتعرض له، سياقها المتميز في بناء القوة المجتمعية التي تفرض نظامها السياسي الذي تريده اختيارا لتُقيم منظومة قيمها التي تراها مناسبة لوجودها ووظيفتها الإنسانيين.
هنا ندرك المعنى التجديدي للدعوة الذي يمكننا من إدراك حركة القوة المجتمعية وموقع كل فئة ضمنها حتى ندقق جيدا في مصادر القوة المجتمعية وفي أهمية كل مصدر ومجالات تحركه أفقيا وعموديا.
إن مصر اليوم تعلمنا أن أي تنظيم منع نفسه عبر اختياراته الهيكلية والتنظيمية والتعبوية من الامتداد الأفقي ضمن حركة المجتمع يكون قد حبس نفسه عن التطور الضروري لتحول مشروعه إلى واقع مجتمعي، فيعيش حالة التقوقع حول أشكال عمودية قد تكون محكمة لكنها غير مستوعبة لعمليات التحول إلى المعنى المجتمعي الذي يضمن بناء القوة الضرورية لعمليات الحراك السلمي خاصة في لحظات توفر شروط الثورة وتعرض التنظيم للضغط الهائل. وهنا ندرك مدى أهمية الرصيد المجتمعي الذي شكلته الحركة الإسلامية في مصر خاصة "جماعة الإخوان المسلمون".
قد يكون هم القيادة الإبداع التنظيمي للتحكم الدقيق في حركة التنظيم الأم والحيلولة دون انشقاقات وعثرات قد تشوش على الحركة، لكن إذا كان هذا الحرص معتمدا على التحكم في المؤسسات التنظيمية وبناء قوانينها لهذا الغرض دون الانتباه، حينما يصبح التنظيم مدارا عبر قواعد الشورى التي من دونها لن يكون تنظيما إسلاميا، إلى الجانب الأهم المتمثل في القدرة على الاستيعاب المجتمعي؛ أي إبداع الشكل الهيكلي القادر على التغطية المجتمعية، فإن هذا التنظيم لا يستطيع خوض المعارك في وقتها المناسب على الرغم من وعيه بها وبتوقيتها.
الشاهد عندنا هنا أن ما امتص سلبيات المنطق الإصلاحي في التفكير السياسي لدى "جماعة الإخوان المسلمون" في مصر هو امتدادها المجتمعي الأفقي من خلال وجودها الهام في قطاعات المجتمع عبر هياكله وترسيخها لقيم الشورى قاعديا.
إن ما بعد رابعة كشف هذه الحقيقة على الرغم من وجود بعض الروح الاستحواذية لدى الجماعة التي لم تمنع من الاستيعاب المجتمعي الذي ستصقله يوميات الثورة لاستعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب مع الوعي الضروري الذي أصبح لدى القيادة بأهمية التعاون الإسلامي مع التنظيمات الإسلامية في القطر المصري. وهنا يجب الانتباه إلى أهمية الشباب في بناء القوة المجتمعية.

3. الشباب والمعنى الهيكلي للقوة المجتمعية

إذا تمت محاصرة الشباب بين مضايق المؤسسات التنظيمية وقوانينها، التي لا بد منها في بناء التنظيم عموديا، وبين مضايق العمل الجمعوي فقد تمت محاصرة القوة الضاربة التي لم يستطع النظام السياسي الطاغوتي في كل مكان وزمان حصارها وإن منعها من التنظيم الجيد، وسيصبح التنظيم مع مرور الزمن شكلا هيكليا على صورة حزب له هياكله الموازية لا أقل ولا أكثر، مما سيكرر التجارب والأساليب الحزبية في بناءاته وتدابيره، وهو ما يعني انتقاله من المعنى الدعوي، وهو أصل القوة المجتمعية، إلى المعنى السياسي الضيق، وساعتها سيكون ملكا لأشخاص لا للأمة.
لذلك ما لم يضمن التنظيم في اختياراته الهيكلية ما يوسع جيدا من نظام الشورى واستيعاب كل أنواع الكفاءات الشبابية وينظم وجودها وحركتها أفقيا وعموديا فلن يكون في مستوى اللحظة التاريخية ولو كان وعيه بها وبطبيعتها دقيقا، الأمر الذي شعرت به قيادة اعتصام رابعة وأبدعت أشكالا مهمة لاستيعاب أنواع المشاركات الشبابية في فعاليات الاعتصامات والمظاهرات.
إن الوضع العمري والاجتماعي لفئة الشباب غالبا ما يؤهلهم للريادة في فنون التعبئة والتنظيم والمشاركة الواعية، ولذلك يقتضي الأمر صناعة الفضاءات المناسبة لتحقيق مشاركة أكبر عدد من فئة الشباب في تغيير الأوضاع في الاتجاه الصحيح.
هنا لابد من التأكيد على قضية تصورية مصيرية في هذه العملية، ذلك أن حركات الشباب سرعان ما تتحول إلى عنف نظرا لسرعة رد الفعل ونظرا لرهان الطواغيت على جر حركة المجتمع المعارضة لحلبة العنف لتبرير هجمتها الشرسة على كل فئات المعارضة؛ هذه القضية تتمثل في أمرين شأنهما واحد؛ وهما: رفض العنف على أي صورة من صوره، واعتبار حركة الشباب ليست هي قائدة المجتمع نحو التغيير، بل مشاركة فيه من مواقعها الخاصة والمتعددة مع وعيها بدورها وبحدوده ضمن القيادة المجتمعية الحقيقية الموجودة بتضحياتها في قلب الحركة وبرصيدها الجهادي الجامع. وفي المجتمعات الإسلامية لا تغيير حقيقي ما لم تكن القيادة المحورية قيادة دعويه قطبها المعنى الرباني في التدبير.
وهنا أجد نفسي مضطرا للتذكير بما أنتجته القوة الاقتحامية المرعية بالقوة الاقتراحية التي قادها الإمام المجدد عبد السلام ياسين منذ أن خرج إلى الوجود الدعوي، حيث كان وعيه دقيقا بمصادر القوة المجتمعية ولم يتوان لحظة في اقتحام معاقلها بكل رحمة وقوة وحكمة، إذ ستأتي أيام إن شاء الله تعالى ليقف الناس على هذه التجربة المترجمة في الزمان للتجربة النبوية كاملة غير منقوصة. لا أقول هذا تعصبا بل يقينا وخبرة على الأقل.
تجربة ممتدة في التاريخ وأجياله إلى أفق الخلافة الثانية على منهاج النبوة. لكن دع هذا إلى حين، بحول الله وقوته، وهلم نقرأ بعمق ما يجري حولنا علنا نكتشف من خلال مدرسة الشدائد معنى بناء القوة المجتمعية في سياق قوة الرحمة وحكمة القوة لا العنف؛ في سياق مدرسة المنهاج النبوي كما أسسها المرشد الإمام المجدد عبد السلام ياسين.
فالشباب بما هو قاعدة الهرم المجتمعي، فليس تنظيمه منحصرا في المعنى العمودي، لكنه مع هذا فهو امتداد أفقي هائل لقدرته على التواصل الفعال مع كل قطاعات المجتمع وفئاته. وما ينبني على هذا أن حركة الشباب ليست حركة سطحية ولا هي عفوية، في الغالب منها، ولا هي فوق الحركة الأم حركة المجتمع، بل هي حركة عميقة جدا ولها عمق استراتيجي مصيري، لذلك فهي ليست حركة تنشيط ولا مجال استعراضي انتخابي. ومن ثمة فقدرها أن تكون في مواقع القوة وصاحبة الاختيار القوي في تبني هموم الشباب والأمة؛ أي أنها لا تكون إلا في قلب النضال المجتمعي الشامل صابرة ثابتة صامدة إلى الهدف الجامع مستعدة، عبر الإبداع المستمر، لكل ما يمكن أن يطرأ على حركة المجتمع ككل ولا تقبل إلا التغيير الجذري الذي يضع الأمة على سكة الإصلاح الحقيقي بمشاركة الجميع.
هنا لا بد من الانتباه إلى القيمة الاستراتيجية المصيرية للحركة الطلابية، إذ في مصر اليوم يلاحظ الجميع الدور الذي قام ويقوم به الطلاب سواء من حيث حجم المشاركة ومن حيث نوعها وامتدادها

القضية الخامسة: الحركة الطلابية وريادة الحراك المجتمعي

1. معنى الحركة الطلابية وموقعها الحراكي كما أكدته يوميات الربيع العربي الإسلامي

حينما أقدمت سلطات الانقلاب على فض اعتصامات ميادين الثورة في مصر كانت تحسب ألف حساب لما بعده عندما تنطلق الدراسة في الجامعات والثانويات، وقد اعتقدت، لسوء تقديرها لردة فعل أصحاب الشرعية وعموم الشعب المصري، أن احتجاجات الطلاب لن تستغرق وقتا طويلا ولن تكون وقود الثورة وضمان استمرار شعلتها، لكن فرصة الاعتصامات العظمى في الميادين شكلت مناسبة هامة لتلتحم الحركة الطلابية ميدانيا مع القيادة المجتمعية الحقيقية وتشاركها مباشرة في قراءة الأوضاع وتقييمها لحظة بلحظة واتخاذ القرارات المناسبة، كما كانت مناسبة لإعادة تأسيس القاعدة الطلابية العريضة بعد ما فعلته الدعاية المضادة طيلة حكم مرسي وخلال انقلاب 30 يونيو و3 يوليو 2013.
ما يهمنا في بحثنا هذا هو تدقيق مهمة الحركة الطلابية وموقعها الحقيقي في بناء القوة المجتمعية والنضال المجتمعي الشامل؛ ذلك أن الفرصة التاريخية التي أتاحها الربيع العربي الإسلامي اليوم لهذه الحركة، إذا تم استثمارها الجيد خاصة بعد النفس الثوري للحراك المصري بعد الانقلاب على الشرعية، ستكون مناسبة تصحيح جوهري لحركتها بعد ما عانته من ضيق في الموقف والموقع منذ انهيار المعسكر الاشتراكي مع انهيار الاتحاد السوفياتي وانهيار حائط برلين ودعاية نهاية التاريخ، أي نهاية أي مشروع قوة يمكنها هزم القبضة الغربية الرأسمالية على العالم بزعامة أمريكا وحلفائها وعرض بديلا عنها، وأن زمن منظومة الديمقراطية، كما يتصورها الغرب الرأسمالي، صارت الملاذ الوحيد للإنسانية.
لقد اشتغل جيلان من الطلاب على غموض شديد في معنى الحركة الطلابية ما بعد تسعينيات القرن العشرين، مما أدى بهذه الحركة إلى فقدان بريقها في كثير من الأحيان وانتكاسة قوتها وتقهقرها إلى فعاليات جمعوية جزئية خاصة مع شراسة قمع الدولة البوليسية لها، الأمر الذي أدى إلى تغير كبير في موقعا الحراكي، ومن ثمة في موقفها من الوضع القائم إجمالا، مما ساهم بشكل كبير في بروز الأحزاب الإصلاحية كخيار سياسي مستوعب لفئة عريضة من الطلاب تغادر الجامعات بخبرتها ورصيدها المعرفي والعلمي والحركي مع طموحها العريض والغموض الشديد في أفق التغيير السياسي الجذري، إلى أن جاء الربيع العربي الإسلامي حيث شكل هزة عميقة في موقف الحركة الطلابية خصوصا والشبابية عموما، إذ انتقل بها من حالة النضال الهامشي والمحاصر إلى أن تصير ضمن قلبه النابض ومحركه الأساس في سياق ثوري حقيقي، ولذلك فالحركة الطلابية ليست حركة جزئية هامشية، بل هي قوة اقتراحية هائلة يصبح لها معنى استراتيجي مصيري إذا ما انخرطت جملة في معنى الثورة التجديدي كما بيناه في مناسبات بحثنا للقضايا السابقة.
إنها كذلك الشاب الذي يتوسط العائلة من حيث السن؛ فهو الفتى الذي ينظر إليه الجميع محبة وتقديرا لكون عطائه الفياض عطاء الواعي والعالم والسخي الذي يشمل الجميع مع نكران خارق للذات دون انقطاع.
لقد أربكت حركة الطلاب اليوم قيادة الانقلاب في مصر، ذلك أن هذه الحركة هي المؤهلة بطبيعتها للمناورة والإبداع وفرز القيادة المقتدرة في الوقت المناسب، خاصة لما تكون حركتها وبناؤها ضمن سياق قيادة مجتمعية مقتدرة متحركة في الميادان، حيث إمكانيات فرز قيادات محلية ومتوسطة وعليا متوفرة وناجعة بين يدي رصيد الخبرة الميداني.
ولذلك فكل حركة مجتمعية لا تنتبه إلى معنى الحركة الطلابية في بناء مضمون الثورة وتدقيق أهدافها وفتح آفاقها وإبداع وسائلها، إنما هي حركة منغلقة على نفسها لا تعدو حزبا إصلاحيا منشغلا بهياكله وقضاياه التنظيمية الخاصة.
لقد بينت لنا جميع التجارب في ربيعنا العربي الإسلامي اليوم، الذي يؤسس بحق لمستقبل العزة والقوة والاستقلال والوحدة، أن موقع الحركة الطلابية هو خندق الدفاع عن حق الأمة في الحرية والعيش الكريم، وأن دفاعها عن حقوق الطلاب إنما يكون في سياق بناء قواعد الواجب تجاه قضايا الأمة المنجمعة في ضرورة فرض حريتها واستقلالها مهما كان الثمن. لذلك لا عطالة ولا بطالة لخريجي هذه المدرسة في انتزاع الحقوق والقيام بالواجبات.
إن هذه القاعدة هي التي جعلتني أختم كتابي "الحركة الطلابية الإسلامية؛ القضية والتاريخ والمصير" بفصل تحت عنوان "خيارات الحركة الطلابية في المغرب المعاصر واستراتيجية استكمال التحرير"، تحدث فيه عن خيارات الحركة الطلابية مميزا بين الخيار الثوري والخيار الإصلاحي والخيار التغييري، مبرزا أن الخيارين الأولين أدخلا الحركة الطلابية في النفق في حين سمح لها الخيار التغييري المنخرط ضمن استراتيجية التحرير الشامل الانفتاح على أفقها الحقيقي وحدد لها موقعها وموقفها المناسبين، كما بحثت أربعة عناصر استراتيجية أساسية لضمان المسار الصحيح للحركة الطلابية ضمن سياق تجديدي تغييري.
فمن المفروض أن لا تفاجأ الحركة الطلابية بالأحداث مما يجعلها قادرة على استيعاب كل المستجدات للحفاظ على خط التغيير الجذري الذي يؤسس لعملية إصلاح شاملة للمجتمع وأنظمته في كل المجالات والقطاعات.
وهكذا يمكن التأكيد على أن الحركة الطلابية بحكم موقعها الاجتماعي والسياسي تتوفر على كامل القدرة للمساهمة في ترتيب البيت الداخلي للمجتمع من خلال الاشتغال الدائم على بناء التحالفات القاعدية مع باقي القطاعات العمالية والمهنية والتلمذية بما يخدم استراتيجية النضال المجتمعي الشامل.

2. الحركة الطلابية وشرط الإبداع المستر

لا حركة مستمرة دون إبداع مستمر، ذلك أن الإبداع دليل على توفر الحركة على قدرات وكفاءات ذاتية تنجز مهام المتابعة والتقييم والتقويم واستشراف المستقبل. ومن هنا كان لابد من ضمان عوامل الاستمرارية والتطور المناسبة لكل لحظة ومكان ضمن ثابت التبني الواعي والمطلق لمطالب الحرية غير المنقوصة للأمة حتى تضمن هذه الحركة الظروف الصحيحة لتساهم من موقعها في بناء عمران عالمي ضامن لسيادة قيم إنسانية عادلة ومكرمة للإنسان.
قد تغض الحركة الطلابية الطرف عن بعض المطالب الجزئية الخاصة بالطلاب وجامعاتهم في ظروف معينة، لكنها لا تتساهل البتة في قضايا الحرية والكرامة، سواء فيما يخص الطلاب أو المجتمع أو الإنسانية عموما، لما لذلك من علاقة بجوهر وجودها، لأنها ما كانت لتكون لولا حاجة الحرية في الحاضر والمستقبل لكينونتها كفئة عمرية وكفئة منظمة عالمة بدورها ومهماتها في كل مرحلة من مراحل الإنسانية. لذلك في كثير من الأحيان تجدها (أي الحركة الطلابية) تتجاوز حاجاتها ومطالبها المادية الخاصة بها لتعانق قضية الحراك من أجل الحرية وتساند كل مستضعف مهما كان وأينما كان حينما يتعرض للاضطهاد أو لوقائع اجتماعية أو سياسية أو غيرها تسحب عنه قيمته الإنسانية.
هذه المهمة المفروضة على الحركة الطلابية بحكم موقعها وموقفهما الطبيعيين يفرض عليها دوما الإبداع لاكتشاف الوسائل المناسبة لتحقيق أهدافها والغاية من وجودها.
فها نحن اليوم في مصر قد حاصرت قوات الانقلاب حركة القيادة المجتمعية؛ قتلت وطردت واعتقلت وشردت، لكنها لم تستطع أن تكبح قيادات شبابية طلابية متعلمة وعالمة بوظيفتها التاريخية في كشف المؤامرة وتعبئة الأمة وتقديم التضحيات في كل مراحل الثورة مهما استغرقت من الزمن ومن التضحيات.
لكن ما كان ليكون هذا لو كانت الحركة الطلابية منفصلة عن القيادة المجتمعية التي يجب في مجتمع إسلامي، إذا أردنا نجاح الثورة، أن تكون قيادة دعوية جامعة مجندة معها كل فئات المجتمع؛ إذ لا ينبغي أن نمارس أي غموض في هذا الباب مهما كانت الضغوط والإكراهات؛ لأن الحركة الطلابية، كما علمنا تاريخنا، ما هي إلا بنتا بارة للحركة الأمة؛ حركة المجتمع الذي يتحرك من أجل قضيته الكبرى التي تحدد معنى وجوده التاريخي والإنساني، ودون هذا خبال وضياع للوقت واستنزاف للجهد.
ذلك أن وضوح هذا السياق عامل قوي في توفر النظرة المستقبلية الكاملة التي تمكن من الإبداع، مهما كانت الظروف المرحلية قاسية ومؤلمة، للحفاظ على تبني القضية الكبرى للأمة وتبني هموم الطلاب اليومية وتوسيع القاعدة البشرية للحركة الطلابية وتنويع القيادة وتطوير الأشكال التواصلية والتنظيمية، عموديا وأفقيا، والحفاظ على السقف السياسي للقيادة المجتمعية الحقيقية والعمل المستمر على بناء التحالفات العضوية مع باقي القطاعات والفئات المجتمعية وتحسين ظروف الدراسة والعيش الكريم خلال يوميات العمل الطلابي.
إن الشباب أمل الأمة، وإن الحركة الطلابية بمعناها الواسع أمل الشباب، فلا ينبغي أن تتخلف هذه الحركة عن الموعد مع التاريخ، أي عن تلك اللحظة التي تلتحم فيها ميدانيا إرادتها مع إرادة الأمة مع إرادة القيادة الحقيقية للتغيير والإصلاح، لأن لحظة الالتحام هذه هي لحظة النصر المبين، وهو ما يعني ضرورة الانتباه، كما نستفيد من الدرس المصري اليوم، إلى حركة العلماء وحركة المرأة في نقل معاني المسجد لتعم كل ساحات وميادين الثورة التي نعني بها قيام الأمة الجماعي ضد الظلم في كل صوره وأبعاده؛ معاني المسجد التي تغطي كل فئات المجتمع مهما كانت انتماءاتهم ومذاهبهم وطوائفهم.
وإلى اللقاء في الميادين مع العلماء العاملين تحت مظلة معاني المسجد وروح المسجد التي تجسدها ربانية القيادة وفتوة المجتمع. ولتلك اللحظة ينبغي العمل، وهنا أجد نفسي مرة أخرى، ودون تعصب بالتأكيد، أدعو الحركة الطلابية الإسلامية إلى الوقوف مع "رسالة إلى الطالب والطالبة، إلى كل مسلم مسلمة"للإمام المجدد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله.