انتصارات المقاومة في فلسطين وبداية الربيع العربي الإسلامي

انتصارات المقاومة في فلسطين وبداية الربيع العربي الإسلامي

                                

في بلدان عربية سقطت أنظمة سياسية، وأخرى مهددة عبر حراك شعبي جذري لا يقف عند معطيات اجتماعية سلبية نخرت كيان المجتمعات، كما لا يقف عند سقوف سياسية منحدرة، بل صار من الواضح أنه يرتبط بمصير أمة وبقضاياها الجوهرية من حرية واستقلال وقوة، وبوظيفتها التاريخية في إعادة بناء نظام علاقات دولية عادلة ومتوازنة.
فما جرى ويجري في مسار هذا التحول التاريخي الجوهري يكشف أننا أمام مسيرة هامة في اتجاه تحقيق أهداف ومقاصد انتفاضة واعية ومدركة لأفقها، وهو ما فوت على الغرب فرصة اختراق هذا الحراك وتوجيه بوصلته من خلال عملية احتواء كبيرة لم تقاومها إلا إرادة الشعوب المنتفضة بوعي، ولعل أكبر دليل هو موقف مصر وتونس وكل قوى الانتفاضة مما وقع في غزة بعد استشهاد المجاهد الكبير القيادي القسامي الفلسطيني الجعبري.
كل هذا يدلل على نجاح الربيع العربي في اختبار الاحتواء والالتفاف الغربي المستمر، والذي يحتاج إلى شحنة كبيرة من حيث درجة الوعي وصناعة الإرادة لاستكمال مسيرة التحرير في كل المستويات والمجالات، وليست هناك أداة جامعة في المرحلة والمستقبل بعد الرعاية الإلهية إلا قضية فلسطين، وهي دوما المعيار في مدى تقدمنا نحو هدف الحرية والكرامة، إذ لا يمكن الحديث عن قوة الأمة وعزتها واستقلالها ما لم تتحرر القدس وفلسطين.
ولا ينتبه الكثيرون إلى أن ما فعلته وتفعله الآلة الصهيونية في بلاد المسلمين من بطش عنيف جدا ومكر قاتل ببشاعة ومن جراح أليمة في جسم الإنسان والمجتمعات شكل ويشكل عاملا حاسما في بناء الوعي الجماعي الصامت لدى الشعوب الذي ضرب في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وفي كل أقطار الأمة العربية بدرجات متفاوتة ومختلفة الحيثيات، وإن كان العامل السلبي فيها تأخُّر كثير من القيادات التقليدية عن هذا الوعي وعدم إدراكه مسبقا لاعتباره في بناء استراتيجيات التحرير والتحرر.
إن قدر القضية الفلسطينية أن تكون الوقود المحوري في بناء الوعي وبعث الإرادة وتوحيد الجهود نحو يقظة الأمة اليقظة التي تحقق بها نهضتها الشاملة وتسترجع بها موقعها الرسالي في مواجهة الاستكبار وكل تفاصيل فعاله في الوجود الإنساني من فساد وإفساد ومسخ وتحريف وتزوير وقهر وظلم وجور.
هذا الأفق هو بوصلة الربيع العربي، حيث عند حصول لحظات تلاحم خط تحرير الشعوب من قبضة أنظمة عميلة أو مستكينة وخط تحرير فلسطين، كل فلسطين، تحدث بداية إنجاز الربيع العربي الإسلامي، وهو ما تجسده معركة حجارة السجيل اليوم.

2. انتصارات المقاومة في معركة حجارة السجيل وبداية الربيع العربي الإسلامي


كل انتصار يبنى على مقدمات الإعداد، ولا شك أن المقاومة في فلسطين لا تتوقف عن الإعداد مستثمرة كل فرصة تتيح لها ذلك؛ فسواعد رجالها وإراداتهم لا تلين في بناء القوة المادية الميدانية، كما أن قياداتها لا تتهاون في بناء القوة المعنوية.
ولما كان الرد سريعا وقويا ومؤلما على مكر الكيان الصهيوني باغتيال الشهيد الجعبري، حيث بلغ عاصمة الصهاينة والقدس المحتلة وأصبحت كل بقعة أرضية من تراب فلسطين المحتلة تحت مرمى الصواريخ التي كانت تعتبرها قيادة أوسلو صواريخ عبثية، تبينت جاهزية المقاومة خاصة مع إسقاط طائرة حربية صهيونية وطائرة استطلاع، وهو ما أكد أن المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس كانت منسجمة تماما مع مقتضى الربيع العربي. لكن ما يهم هنا أن الاعتقاد بأن الربيع العربي أخر الاهتمام بالقضية الفلسطينية خلف اهتمامات محلية اعتقاد لم يستند إلى وعي دقيق بالمرحلة التي تمر منها الأمة.
إنها مرحلة الاصطفاف الحقيقي ضمن عملية التدافع المحلي والإقليمي والدولي، ومرحلة ترتيب الأولويات وفق وعي يربط بين معنى التحرر من قبضة أنظمة استبدادية لم تورث إلا الذل والخزي والعار، وبين معنى تحرير فلسطين والقدس. والجميل في العملية هو انخراط الشعوب الواعي في هذه العملية لدرجة تجاوزت كل قيادة تقليدية عجزت عن استيعاب تفاصيل المرحلة وارتباطها بالمستقبل.
ولذلك نحن أمام صورة عجيبة: طائرات حربية في سماء سوريا في ملك نظام سياسي، لطالما تبجح بدعم المقاومة، تقتل المدنيين وتدمر العمران، ونفس الأمر تفعله مقاتلات الكيان الصهيوني من سماء غزة: تقتل وتدمر بلا هوادة.
هذه الصورة تجسد بكل وضوح فرزا عميقا ستنكشف كل معالمه الحقيقية قريبا حينما تصبح السلطة والدولة في البلاد العربية والإسلامية في يد شعوبها وقياداتها الحقيقية كما صارت المقاومة تحت قيادات تستشهد لتحيى القضية والأمة.
ومن ثمت فمهما كانت نتيجة العدوان الصهيوني على غزة بعد اغتيال الجعبري، ومهما كان الزمن الذي سيستغرقه؛ قصيرا أو طويلا، فالمقاومة انتصرت بتحقيق لحظة بداية الربيع العربي الإسلامي الذي سيزلزل كل مؤسسة سياسية ومجتمعية، وغيرها، لم تنخرط في هذه المعركة المصيرية التاريخية التي يرتبط كمالها بزوال إسرائيل بما هي جسم غريب منزرع في جسم أمة لا يمكن أن تكون إلا موحدة وحرة وقوية ومستقلة.
وهنا بالضبط يجب أن يطرح السؤال على كل قوى صادقة ربطت وجودها ومصيرها بأنظمة سياسية ارتبط بقاؤها بالكيان الصهيوني.
إن انبعاث الحركة الإسلامية وتتويجها من خلال ما سمي بالربيع العربي يجعلها أمام مسؤولية تاريخية عظمى ليس من جهة تقديم المساعدات المادية لشعب فتكت به الآلة الصهيونية طيلة انفرادها به، لكن من جهة تحريك حركة الأمة بوعي دقيق في اتجاه تحقيق لحظة الالتحام الميداني بين مقاومة قدمت كل التضحيات وبين حركة وإرادة شعوب لم تترك فرصة إلا وعبرت من خلالها عن مطلبها في التحرير والتحرر الذي تشكل بوصلته عودة القدس وكل فلسطين لحضن أمة كانت خير أمة أخرجت للناس. ولذلك فما ينسجم وخط المقاومة لتحرير القدس وفلسطين هو خط التغيير الجذري الذي يكشف حتى زيف ادعاء بعض الأنظمة السياسية العربية مساندتها للمقاومة، فضلا عن عمالة بعضها وارتباطها المصيري بالكيان الصهيوني، ويقطع معها قطعا كليا بتأسيس أنظمة الحرية والاستقلال والقوة والكرامة. ولا شك أن لهذا زمانه وأثمنته.