رسالة إلأى حركة 20 فبراير


رسالة إلى حركة 20 فبراير
من أجل "ميثاق التغيير والإصلاح"

 

 
هاهي، أيها الشباب الناهض في مغرب اليوم لأجل مغرب الغد، مغرب الحرية والكرامة والعدل، قد مرت سنتان على ميلاد هذه الحركة التي لا ينكر أحد أنها قدمت خدمات جليلة للشعب المغربي في اتجاه انتزاع حريته من قبضة قرونية استبدادية عاتية حرمته من الاستفادة الكاملة من خيراته على مدى قورن من الزمن، كما حرمته من استثمار طاقاته البشرية والمادية في بناء مجتمع العدل والتضامن الحقيقي والتكافل الأخوي للقيام بدوره الإقليمي والدولي.

سنتان من المقاومة لعملية التفاف هائلة على مطالب الشعب المغربي في الحرية أنجزها النظام السياسي بتحالف مع نخبه.

سنتان فيها عين تنظر إلى ما يجري ويعتمل في أعماق المجتمع المغربي، وعين تنظر إلى ما يجري في مجتمعات من أحداث عميقة الأثر بالغة الأهمية التاريخية.

فهناك سقطت رموز أنظمة استبدادية، وهناك أزيحت أخرى بعد قتل وتشريد وتدمير، وهناك قتال شرس ودمار مؤلم، وفي الجميع شعوب تريد الحرية بأي ثمن لأنها ضاقت ذرعا من فعل طغمة الاستبداد والفساد والنهب والعمالة.

إنها لحظة تاريخية عصيبة، لكنها مؤشر مهم على ولادة جديدة لأمة تملك كل مقومات بناء الحضارة العظيمة معنويا وبشريا وماديا؛ ولادة جديدة لم تسمح قبضة الاستبداد القروني أن تكون طبيعية، فكانت ضرورة من خلال عمليات قيصرية. ولاشك أن مثل هذه العمليات تحتاج خبرة ودراية ودربة وحنكة وقلبا رحيما وعقلا راجحا يؤسسان لمشروع تغييري يجنب البلاد الفتن المدلهمة ويفتح آفاق البناء المتكامل.

لا أريد أن أعطي دروسا لرجال الفتوة فرسان الميدان، فهم سادات وأساتذة ميادين التحرير، ولست من هواة سرقة أضواء الثورة، ولكني واحد من شباب هذا الشعب المبارك العظيم الذي انخرط منذ أكثر من 25 عاما في مقاومة الاستبداد مع أحبته في جماعة العدل والإحسان، وأديت على ذلك ثمنا باهظا في حريتي ودراستي وصحتي وأسرتي على طول هذه المدة ومازلت. ولم تزدني أيام السجن والمحاكمات والمضايقات وعد الأنفاس إلا إصرارا على خيار أنه لا مستقبل للشعب المغربي إلا بحرية حقيقية؛ ولذلك كتبت عشرات المقالات ولم أتوقف، بتوفيق الله تعالى، عن خدمة بناء القوة المجتمعية المؤهلة لتحقيق مطالب الحرية.

من هذا المنطلق، ومن باب الواجب علي، أجد  نفسي مضطرا لمخاطبة شباب حركة 20 فبراير، بكل توجهاته، مباشرة، ذلك أننا أمام لحظات مفصلية من مرحلة التحرر الشامل التي أدى من أجلها الشعب المغربي أثمنة باهظة، ولا ينبغي أن نتهاون ونغفل عن هذه اللحظات حتى نقدم للأجيال القادمة ما يجب تقديمه من خدمات بأمانة وصدق ومسؤولية في الوقت المناسب وبالكيفية المناسبة، فما ضاع من جهود وخيرات الأمة كثير وكثير، ولم يبق هامش للضياع والعدو الخارجي الاستعماري متربص لا يتوقف عن الكيد والمكر...

سنتان والمغاربة منشغلون بلعبة الالتفاف وبآثارها السلبية التي لا تحصى، والشباب يتطلع لذلك الباب الذي يدخل من خلاله على المسار الحقيقي لانتزاع الحرية وبناء دولة الحق والقانون والمسئولية ومجتمع العدل.

لقد وصل الفساد مداه، وعجزت حكومات الالتفاف عن سد منافذه وردم مصادره، وصار الجميع على فوهة بركان لا يعلم أحد حجم خطورته.

فهل يُصر الحاكمون على التمسك بمواقعهم والتحكم في مفاصل الحياة المغربية، واحتكار كل مصادر السلطة والثروة، والتمادي في ذلك إيغالا في الحكم المطلق وإقصاء لإرادة الشعب والالتفاف عليها؟

إن الجواب عندهم، كما تعلمون أيها الشباب، ولاشك أن إصرارهم هذا له تبعات لا أحد يستطيع التكهن بمآلاتها، وإن كان الجميع موقنا بمأساويتها. فزمان الحكم المطلق والوراثي انتهى، وأن الإصرار على الحكم المطلق مدخل الدمار الشامل بما هو جدار ضد الحرية. هذه حقيقة تاريخية منسجمة مع درجة الوعي الإنساني الذي أصبح ينظم العلاقات في كل المستويات والمجالات.

وهنا تكمن مسئولية الشباب الناهض ضد الاستبداد والفساد.

إنها مسئولية تاريخية حاسمة، لذلك أدعو الجميع بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاق حركة 20 فبراير إلى إنجاز لحظة تقويم وتقييم لواقع الحراك المغربي ضد الاستبداد والفساد قصد بناء وضوح تصوري لمساره وتدقيق أفقه وبناء وسائله الأساسية على قاعدة نبذ كل أشكال الغموض والعنف.

إن اللحظة التاريخية التي يعيشها الشعب المغربي تعني الجميع وتشمل الجميع، ومن ثمة لا ينبغي التفكير فيها بنفسية الأنا التي لا تكون إلا نفسية مرضية، لأنها تسجن الحراك ضمن نزوات ضيقة ومواقف محدودة، ولذلك يكون أمر مرجعية الشعب المغربي ضابطا حاسما مضافا إلى عدم مصادرة حقوق وإرادات الأجيال القادمة بفرض نمط نظام حكم سياسي معين عليهم، خاصة لما تكون الأجيال الحالية والماضية قد عايشت فساده واكتشفت عدم جدواه، وربما صبر عليه البعض "حكمة"، حسب رأيه، لا اقتناعا.

لقد آن الأوان ليقرأ الجميع بموضوعية توقيف جماعة العدل والإحسان مشاركة شبابها ودعمها لحركة 20 فبراير، ليكتشف الجميع أنه موقف مستند إلى وعي سياسي حافظ على بوصلة حركة التغيير وموقع تحركها، كما فوت على النظام فرصة صناعة المعارك الوهمية والهامشية التي شغل بها المغاربة عقودا من الزمن.

ومن هنا، فإن فرصة الذكرى الثانية لحركة 20 فبراير تسنح بإعادة النظر جذريا في معنى حركة الاحتجاج في المغرب بكل موضوعية من خلال نقاش علمي وعملي جامع يعيد التدقيق في مواقع الحراك وفي مضمونه وأفقه في اتجاه تقويض أركان الاستبداد الذي قهر كل إرادات الشعب المغربي وبدد ثرواته حتى جعله مهددا بالسكة القلبية. وهي تعبير ناعم، إذ الحقيقة إنه مهدد بالانهيار الشامل، لا قدر الله.

إنه لا حراك من دون قاعدة تصورية جامعة، وقد تبين، من خلال تجارب الدول التي سقطت أو تنحت رموز أنظمتها السياسية، أن هذه القاعدة ليست كلاما أدبيا محررا على أوراق، ولا نصوصا ملاقاة على عواهنها في الجرائد والمجلات والشاشات، بل الأمر يقتضي نقاشا عميقا وهادئا غير منفصل عن العمل الميداني اليومي، يفضي إلى بناء ما يمكن تسميته ب"ميثاق التغيير والإصلاح" على قاعدة احترام مرجعية الشعب المغربي الإسلامية ونبذ العنف في الخطاب والسلوك، ونبذ كل غموض يؤثر في مسار حركة هذا الميثاق في الواقع اليومي للشعب المغربي وفي بناء أساسات القوة المجتمعية الحاملة لمشروع التغيير، واحترام حق الأجيال القادمة بعدم فرض أي نمط حكم عليها لما في ذلك من تحكم فيها، إذ المطلوب منا بناء واقع الحرية والكرامة والعدل والاستقلال والقوة خدمة للمستقبل وأهله.

إن هذا الميثاق حركة جامعة تغطي كل القطاعات، ومن ثمة فهو يعني كل الفعاليات والأشخاص من علماء ومفكرين ومثقفين وكل المؤسسات والأحزاب والمنظمات التي تروم تحقيق واقع تغييري يفتح أفقا جديدا لحركة الشعب المغربي في كل المجالات على قواعد الحرية والأمانة والمسؤولية.

فإلى ميثاق "التغيير والإصلاح" يا شباب المغرب، فهل نكون في مستوى اللحظة التاريخية خدمة لأمتنا؟