نظام الخصال العشر لتغيير الإنسان والمجتمع



المنهاج النبوي؛ تربية وتنظيما وزحفا...
نظام الخصال العشر لتغيير الإنسان


1. مقدمة

يشكل كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" حلقة هامة في سلسلة إصدارات الإمام عبد السلام ياسين، رحمه الله، كما يجسد مرحلة محورية في مسيرة عرض مشروع العدل والإحسان وفي مسيرة بناء جماعة العدل والإحسان.
فإذا اعتبرنا كل ما ألفه الرجل، مكتوبا، نثرا وشعرا، ومسموعا ومرئيا، إنما هو مجهود متواصل لغرض عرض "المنهاج النبوي"، لتغيير الإنسان والمجتمع والنظام العالمي على قواعد الحرية والعدل والكرامة، ولغرض تفصيل قضايا هذا المنهاج على نسقية محكومة بمنهاج علمي وفق مراحل بنائية، أدركنا أن مؤلَّف "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" يشكل الحلقة الوسطى بين مؤلَّفين يؤرخان لحركة مشروع العدل والإحسان؛ مؤلف "رسالة الإسلام أو الطوفان" ومؤلف "الإحسان" بجزئية الأول والثاني، حيث يمكن اعتبار باقي المؤلفات مزيد تفصيل للمنهاج النبوي.
وبهذا الاعتبار يمكن النظر إلى هذا المؤلف من زاوية سياقين؛ خاص وعام، ومن زاوية بنائه الداخلي وارتباطه الخارجي بباقي المؤلفات.
وقبل هذا النظر لا بد من لمسة حول عنوان الكتاب.

2. "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا": العنوان والمشروع

يوحي العنوان بداية بأن المؤلَّف سيعرض المنهاج النبوي من حيث هو مشروع مجتمعي متكامل يغطي مستويات التربية والتنظيم والزحف، ويدقق في العلاقة بين هذه المستويات؛ إذ الزحف، باعتباره حركة جهاد متكامل وشامل يغطي حركة الفرد وحركة الجماعة وحركة الأمة التاريخية الإنسانية، إنما هو نتيجة لبناء الجماعة بمعناها النبوي التي تتأسس عملية بنائها وحركتها على التربية الإيمانية الإحسانية التي يتلقاها رجالها ونساؤها.

3. السياق الخاص لكتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا"

من المعلوم أنه قبل صدور مؤلف "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" سبق عرضه عبر أعداد مجلة"الجماعة" ، وبذلك كان هذا العرض الإطار التصوري والمرجعي لحركة "أسرة الجماعة" التي سيصبح اسمها جماعة العدل والإحسان منذ سنة 1987[1].
وهي مرحلة طبيعية بعد عدم استجابة الملك الراحل، الحسن الثاني، لمقترح "رسالة الإسلام أو الطوفان"حيث دعته بوضوح إلى سلوك المنهاج النبوي للخروج بالبلاد إلى بر الأمان والعمل على بعث الأمة من جديد لتقوم برسالتها التاريخية.
ثم هي مرحلة طبيعية بعد عدم استجابة أهم قيادات العمل الإسلامي والدعوي إلى وحدة الصف الإسلامي على منهاج واضح للعمل[2]، حيث استخفت بعض القيادات بفكرة المنهاج وأهميتها في سير الدعوة وتنظيمها، مما جعل الإمام أمام خيار وحيد هو التقدم بمبادرة عملية تجلت في عرض المنهاج النبوي من خلال منبر إعلامي (مجلة الجماعة) أسسه هو نفسه مع تأسيس الجمعية التي ستصبح جماعة العدل والإحسان، إذ اقتضى هذا التأسيس إعادة نشر المنهاج النبوي في مؤلف جامع يحمل عنوان "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" .
وهكذا يكون عرض المنهاج النبوي إطارا لمرحلة حاسمة في تاريخ جماعة العدل والإحسان؛ بل في تاريخ الحركة الإسلامية في المغرب، حيث سيكون الإطار المرجعي والعملي لأكبر تنظيم إسلامي في المغرب اليوم، وتشكل تصوراته مدرسة مستقلة ونموذجية في العمل الإسلامي، هي مدرسة المنهاج النبوي[3].

4. السياق العام لعرض "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا"

لم يكن الرجل صاحب مبادرة صغيرة الحجم تتعلق بتأسيس تنظيم إسلامي المرجعية يطمح أن يكون رقما من الأرقام الصعبة أو غير الصعبة، ويدافع فقط عن موقف فكري أو سياسي جزئي، بل كان واعيا بوظيفة التجديد الشاملة التي يجب أن تتصدى لها الحركة الإسلامية وتنجزها وفق مراحل، بناء على مشروع تجديدي متكامل.
لذلك كان عرض المنهاج النبوي من خلال مؤلف جامع يؤشر على الشروع العملي في بناء أداة هذا التجديد العلمية والعملية وترسيخ أدواتها الأساسية للامتداد في المستقبل، وهو ما يعني أن "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" وإن اعتنى بالإشراف المباشر على بناء مرحلة هامة من مراحل العمل الإسلامي في المغرب؛ فإنه كان مناسبة لعرض المشروع التجديدي بين دفتي كتاب له أهدافه المباشرة في بناء الفهم والعلم والعمل من خلال تقعيد قواعد هذا التجديد وإصدار مؤلفات عديدة وضخمة، تباعا، لمزيد شرح وبيان قضاياه في كل المجالات[4].
لقد حرص الإمام على بيان هذا المشروع من خلال حركة متئدة وصابرة ومصابرة ومبشرة؛ سواء باعتماد اللقاء المباشر أو القول المسموع أو المرئي أو المكتوب، وقبل ذلك ومعه بالموقف الشاهد بين الناس وعلى الناس، إذ "المسلمون بحاجة اليوم لاكتشاف المنهاج النبوي كي يسلكوا طريق الإيمان والجهاد إلى الغاية الإحسانية التي تعني مصيرهم الفردي عند الله في دار الآخرة، وإلى الغاية الاستخلافية التي ندبوا إليها ووعدوا بها متى سلكوا على المنهاج واستكملوا الشروط" [5].

5. البنية الداخلية لكتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا"

قبل أن نقف على البناء الداخلي لهذا الكتاب، يقتضي الأمر أن نقرب معنى المنهاج النبوي من خلال تعريفين للإمام نفسه، حيث يستشعر أن الكثيرين لا ينتبهون إلى القيمة العلمية والعملية للمنهاج كما اجتهد في صياغته، رحمه الله.
التعريف الأول: "المنهاج النبوي هو ذاك الصراط الذي تضع فيه قدميك على قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم. هو الصراط المستقيم الذي يلحقك بالذين أنعم الله عليهم، وقص عليك في كتابه نعمته عليهم، وتفضيله إياهم، ونصره دعوتهم. ثم حسن لك رفقتهم" [6].
التعريف الثاني: "هو السنة التطبيقية العملية النموذجية، التاريخيةُ بعدُ البشرية المتجددة في الزمان والمكان باجتهاد أجيال الإيمان" [7].
فما هو هذا المنهاج؟
يشكل صلب الكتاب عرض شعب الإيمان بحسب كل خصلة، وهو عمل اجتهادي علمي، حيث تأسس على عمل علمي آخر هام يتمثل في كتاب "شعب الإيمان"، الذي لم يطبع لحد الآن، وهو عبارة عن جمع لأحاديث صحيحة وجامعة لمعنى الشعبة حيث مجموعة شعب مرتبة ومنسقة هي ما يكون المضمون العلمي والعملي للخصلة التي تندرج تحتها هذه الشعب[8].
ويعتبر مؤلف "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" عرضا لهذه الخصال العشر بمضمونها الإيماني مع استدعاء ما تقتضيه ضرورة العرض من دلالاتها الإحسانية التي سيتكفل بها في مرحلة أخرى من مراحل بناء جماعة العدل والإحسان وترسيخ مشروعها التجديدي كتابُ "الإحسان" بجزئيه الصادر عام 1998.
وقد كان هذا المستوى من العرض يناسب المرحلة حيث ضرورة بناء الجماعة وتثبيت قواعدها التنظيمية والهيكلية على قواعد واضحة وجامعة، وهو ما دفع الإمام إلى التقديم لمشروع عرض الخصال العشر بأربعة فصول في عموميات التربية والتنظيم قدم لها بتمهيد[9].
فالخصال العشر هي: الصحبة والجماعة، الذكر، الصدق، البذل، العلم، العمل، السمت الحسن، التؤدة، الاقتصاد، الجهاد[10]. وهو ترتيب غير عفوي بل مقصود، لأن حركة المنهاج النبوي، المتجسدة في حركة الجماعة، حركة متصاعدة على خطوات الخصال العشر، "فحصول الإنسان في مرحمة الجماعة، باكتشافه أخوتها الدافئة الرفيقة الباذلة الحنون، يحصل الخصلة الأولى: الصحبة والجماعة، ثم يترقى من خصلة إلى خصلة حتى يحصل الخصلة العاشرة وهي: الجهاد. وبذلك تكون تربيته تمت، وعضويته في تنظيم جند الله استوثقت. وبتحصيل جند الله جماعة لفضائل شعب الإيمان يكون التنظيم قد استوفى خصائص حزب الله المنصورين الغالبين.
"إن شعب الإيمان، كما يدل على ذلك المعنى اللغوي لشعب، روافد يتألف منها نهر الإيمان. فإن تصورناها خيوطا إيمانية تربط العبد بربه فهي تكون، إن فتلت وأتقن تأليف رجالها حتى أصبح خلقهم القرآن، حبل الله المتين الممتد من السماء رحمة إلى الأرض، حيث تظهر عملا حكيما وجهادا مجددا. وعندئذ فالتمسك بجماعة المسلمين في الأرض استمساك بالعروة الوثقى" [11].

6. المنهاج النبوي ومشروع التفصيل

من المعلوم أن "رسالة الإسلام أو الطوفان" عرضت الخصال العشر وهي الخصال التي عرضت في كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" ، وهي الخصال العشر المعروضة في فصول كتاب "الإحسان" في جزئيه، إذ كل فصل من فصوله إنما هو خصلة من هذه الخصال[12]، وهي الخصال التي أوصى بها، رحمه الله، في وصيته الأخيرة.
وقد عُرف عن الإمام عبد السلام ياسين، رحمه الله، أن جهده في التبليغ والبيان منصب بصرامة منهاجية على عرض وتوضيح المنهاج النبوي، سواء من حيث المعنى أو من حيث المبنى، ولذلك فكل مؤلفاته إنما هي تفصيل بحسب ما تقتضيه الحكمة لخصلة من الخصال أو شعبة من الشعب بحيث يستدعي عند هذا التفصيل ما ينبغي استدعاؤه من الشعب أو الخصال من موقع علاقة هذه بموضوع البيان مؤلفا أو شريطا سمعيا أو مرئيا.
فكل المؤلفات عند الإمام لا بد للباحث أن يكتشف تحت أية خصلة تندرج وما هي الخصال والشعب التي تستدعى معالجتها في هذا المؤلف أو ذاك، إذ الخصال العشر معروضة في كتابين أساسيين، كما سبقت الإشارة؛ هما كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" ، وكتاب "الإحسان" بجزئيه، في حين باقي المؤلفات إنما هي معاجلة تفصيلية لموضوع من مواضيع الخصال وشعبها بانضباط وصرامة منهاجيين نادرين.
وبهذا فعلاقة كتاب "المنهاج النبوي" بباقي المؤلفات والوسائط السمعية والبصرية، في إطار عرض مشروع العدل والإحسان ورعاية مسيرة بناء جماعة العدل والإحسان بالمعنى النبوي الشامل، تتشكل على الشكل التالي:
فمع كتاب "الإحسان" حصلت إعادة عرض الخصال العشر بمضمون إحساني من خلال منهجية بيان المضمون الإحساني العلمي والعملي للخصلة عبر فقرات، ثم يختم هذا العرض للخصلة، التي هي عنوان الفصل، بتلخيص لشعب الإيمان المندرجة تحتها.
أما مع باقي المؤلفات فمحكومة بعلاقة التفصيل والبيان بحسب الموضوع الذي تكفل المؤلف بالتفصيل فيه.
وعلى سبيل المثال كتاب "العدل.. الإسلاميون والحكم" ، فهو كتاب ضخم اهتم ببحث حركة الخصال العشر وتفاصيل هذه الحركة، التي هي حركة المنهاج النبوي، لتدبير مراحل الزحف نحو بناء نظام حكم عادل، سواء من جهة مرحلة المعارضة أو مرحلة الدولة أو مرحلة إعادة بناء النظام العالمي على قواعد العدل والحرية والكرامة.
وبهذا نفهم التمايز بين التعريفين السابقين للمنهاج النبوي، ففي الوقت الذي اتجه التعريف الأول، الموجود في كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" ، إلى ذمة المؤمن في إطار بناء الجماعة القائمة لحمل مشروع التغيير، اتجه التعريف الثاني الموجود في كتاب "العدل الإسلاميون والحكم" ، إلى بيان تفاصيل المشروع ووسائله لإقامة العدل محليا وعالميا.
وبهذا الضابط تقرأ كل مؤلفات الإمام إذ بوصلتها نظام الخصال العشر كما رتبها إيمانيا كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" ، وفصلها إحسانيا كتاب "الإحسان" ، ولخصتها رسالة تذكير ووصية الوداع.

7. خاتمة

"المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" مؤلف ممتد المعنى في الزمن، لأنه عملية اجتهادية كبرى أسست لحركة مشروع يعني الفرد والأمة والإنسانية.
فهو اجتهاد في عرض السيرة النبوية على صورة متكاملة ووفق نسق بنائي لسبعة وسبعين شعبة مقسمة على خصال عشر حيث كل خصلة تشكل خطوة في اكتساب العلم وإنجاز العمل في أفق غاية إحسانية تعني مصير الفرد عند الله تعالى وتعني مصير الأمة التاريخي الإنساني، حيث فَتل نظامُ الخصال العشر بين المصيرين حتى لا ينفك الواحد منهما عن الآخر علما وعملا.
والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

الهوامش
1]ينظر رسالة الإمام التي اقترح فيها هذا الاسم والشعار الموجودة على الرابط التالي:http://www.yassine.net/ar/document/1937.shtml[2]من المعلوم أنه قبل عرض المنهاج النبوي قام الإمام، رحمه الله، بمبادرة وبصحبته ثلة من الرجال بينهم الأساتذة أحمد الملاخ وابراهيم الشرقاوي ومحمد بشيري ومحمد عبادي، حيث التقوا بقيادات إسلامية وعرضوا عليها فكرة توحيد الحركة الإسلامية على منهاج واضح، لكن لم تلق المبادرة تجاوبا من طرف هذه القيادات.[3]افتتح الإمام رسالة اقتراحه "العدل والإحسان" اسما وشعارا بما يلي: عندما صدر العدد الأول من مجلة "الجماعة" قرأ الناس فيه نداء طويلا ملتاعا إلى توحيد العمل الإسلامي في المغرب. تلا ذلك وسبقه سنوات حاولنا فيها اللقاء والتقارب والتعاون على جمع الشتات. وعندما وضعنا "المنهاج النبوي" كانت الجماعة القطرية محور تفكيرنا، وكان التفكير لها مساهمتنا في الجمع المرجو. فلما لم يأت ما كنا ننتظر توكلنا على الله راجين أن لا يكون تأسيسنا لعمل جديد إلا لبنة في صرح الوحدة.[4]يراجع في الباب موقع الإمام عبد السلام ياسين،http://www.yassine.net/، حيث تعرض جل مؤلفاته، ومن ضمنه تطبيق سراج الإلكتروني المحتوي على أغلب هذه المؤلفات.[5]"المنهاج النبوي، تربية وتنظيما وزحفا"، ص: 3، الطبعة الثانية، 1989.[6]المنهاج النبوي، ص: 460-461.[7]العدل، ص: 27.[8]قال، رحمه الله، في المنهاج النبوي، ص: 40-41: "قسمنا السبع والسبعين شعبة عشر فئات سميناها الخصال العشر، وجمعناها في كتاب يضم أكثر من ألفي حديث نبوي يسر الله تحقيقه وطبعه. ونبسط هنا إن شاء الله محصول تدبرنا لشعب الإيمان، نجعلها صلب المنهاج النبوي ودليله. تتدرج الخصال العشر من الخطاب القرآني للإنسان وندبه إياه لاقتحام العقبة والكينونة من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة".[9]تمهيد: هو عبارة عن مقدمات كشف من خلالها معنى المنهاج النبوي وأهدافه وغايته ورجاله ومهمتهم العملية.[10]يراجع في الباب كتيب صغير الحجم لكنه بالغ الأهمية حيث يقدم تلخيصا مناسبا للمضمون الإيماني لعرض الخصال في كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، وهو "رسالة تذكير" حيث لخص فيه الخصال العشر تلخيصا مركزا يروم به تقريب الفهم وبيان الطريق.[11]المنهاج النبوي، ص: 41.[12]يعتبر كتاب "الإحسان" عملا ضخما ومحوريا في عرض المنهاج النبوي، إذ لما اقتضت الضرورة البنائية عرضا إيمانيا للخصال العشر في كتاب "المنهاج النبوي" فإن كتاب "ألإحسان" تكفل بعرض المضمون الإحساني لهذه الخصال كما يقدم علم المنهاج النبوي معنى الإحسان.