الإضراب العام وسؤال الحركة الطلابية في المغرب
مبارك الموساوي

1.الاضراب العام واستراتيجية التنفيس.

  من طبيعة السلوك النقابي أن يشتغل على المطالب الجزئية للشغيلة، وهو ما يجعله ذي نفس إصلاحي؛ فيراكم مستوى من الوعي النضالي محدود الأفق سياسيا؛ خاصة لما ينخر المؤسسات النقابية أنواع من الفساد الإداري والمالي والتواصلي ويحرمها من امتلاك نظام اجتماعي يشكل بوصلة حركتها، الأمر الذي يقوض أثرها ويحرمها من العمق الاستراتيجي في حركتها النضالية؛ فتصبح هذه الحركة مناسبات مرتبطة بمتغيرات اجتماعية وسياسية جزئية تفرض على الحراك النقابي أن يكون مجرد رد فعل عوض أن يكون استراتيجية بنائية تروم تغيير الوضع الاجتماعي تحقيقا لكرامة المواطن وضمان استقراره الحقيقي، سياسيا واجتماعيا وماليا واقتصاديا، الأمر الذي يجعله مشاركا من موقع المسؤولية في البناء العام والتنمية الشاملة.

  إن إنجاز إضرابات عامة محدودة الأثر احتجاجا على تصرف حكومي جزئي ذي طابع اجتماعي شكلا سياسي مضمونا، لارتباطه بخيار الدولة/النظام السياسي والاجتماعي ضمن منظومة دولية استكبارية متشابكة ومعقدة في فرض أنواع الهيمنة على الإنسان والإنسانية، لن يكون، اي الإضراب العام، إلا مناسبة تنفيس ما لم يكن لحظة وحلقة ضمن استراتيجية نضالية متكاملة تروم تحقيق العدل والحرية والكرامة للمواطن والوطن وتحرر قضاياهما المصيرية من قبضة هذه المنظومة تدريجيا حتى اكتمال استقلالهما السياسي والاقتصادي.

  إن انحراف النضال النقابي عن البوصلة يحصل بعوامل، من أهمها أن يتحرك بنفس إصلاحي في سياق لحظة مطلبها نفس تغييري، وهو ما يجعل من حراكه مجرد صرخة ورسالة، فيصرح القيادي النقابي: الإضراب نجح والرسالة وصلت، ثم إلى لقاء في صرخة أخرى.

  لقد كان للإضراب العام معنى لما كان كل داعميه رغم خلافاتهم الحادة منخرطين في استراتيجية التغيير، أما لما تفرقوا بين استراتيجيات الإصلاح وبين استراتيجيات التغيير كل في جزيرته محتميا بخيمته النضالية "التاريخية"، صار الإضراب مجرد موضة في تسجيل الحضور السياسي.

2.سؤال الحركة الطلابية وسؤال التغيير الجذري

  إذا رجعنا إلى التاريخ القريب للإضرابات العامة في كل المناسبات نجد أن نجاحها من عدمه يرجع إلى وجود عاملين ذاتيين، فضلا عن توفر الشروط الموضوعية التي ليست موضوعنا هنا.

  العامل الأول: توفر قيادة حقيقية وصادقة للنضال النقابي محليا وقطريا مع امتلاكها الوضوح الكافي في فهم المطالب الاجتماعية وعلاقتها بالحقول الأخرى ضمن الوعي بالاستراتيجية النضالية الشاملة.

  العامل الثاني: المشاركة الواعية لفئة الطلاب والتلاميذ من خلال حركة طلابية متماسكة، ولفئة التجار والحرفيين الذين يغطون كل أزقة المدن والقرى.

  وفي غياب هذين العاملين لايمكن أن تتحدث عن إضراب عام محصورا في فئة الأجراء؛ سواء في القطاع الخاص أو العام أو هما معا.

  أما ما يخص فئة التجار والحرفيين فقد أخفقت النقابات تماما في إدارة موقعها في الحراك الاجتماعي لما تعاملت معها بنفس نخبوي ودون إعطائها الموقع المناسب لها ضمن الحراك النقابي، خاصة لما تعرضت هذه الفئة العريضة لهجوم كاسح من طرف أجهزة المخزن خلال إضرابات التمانينات وفي سنة 1990 بفاس.

  وأما الحركة الطلابية فقد قهرها عامل التمزق وعامل القمع المباشر والممنهج من طرف أجهزة المخزن، لكن السؤال يبقى مشروعا: هل هذه الحركة لا تملك عوامل نهوضها الشامل لتحتل موقعها الطبيعي في الحراك المجتمعي الشامل؟

  ما يؤكده تاريخ  هذه الحركة، وبغض النظر عن استراتيجية المخزن الراسخة اتجاهها، أنها تتوفر على كل عوامل النهوض والولادة الجديدة، وآخر هذا هو نهضتها بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث استطاعت أن تخرج من قبضة الحضر العملي وتفرض نفسها على الساحة الفكرية والاجتماعية والسياسية الحركية؛ إذ شكلت ساحات الجامعات قلبا نابضا للمجتمع المغربي أعاد الحياة للمجتمع وعبر عن تنوعه وزود الحقول المعرفية والعلمية والسياسية بكفاءات هائلة تحتل اليوم مواقع هامة في كل المجالات، لكن بعد خوالي ثلاثة عقود من الزمن تعلن النقابات إضرابا عاما، وللأسف الشديد، دون وجود يليق بالحركة الطلابية وبتاريخيها في المغرب.

  إنها خسارة عظمى، وقد آن أوان الحساب، إكراما لتاريخ واعتبارا لمستقبل، واحتراما لرجال؛ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر؛ منهم من بدل ومنهم لم يبدل تبديلا.

  والحساب هنا ليس شخصيا، لأن محاسبة الأشخاص هنا ليس لها أي معنى بنائي، ذلك أن تغيير المواقع الحركية للحركة الطلابية وإتلاف تحالفاتها المصيرية خسارة عظمى للشعب المغربي في لحظة تاريخية دقيقة تطلب الاختيار القوي.


يتبع إن شاء الله.