مفتاح الجماعة

مفتاح الجماعة

تمر الأيام والسنين والاعوام ونزداد يقينا في ما ندعو اليه وانه حق مبين، نقترحه على أنفسنا وعلى
أمتنا وعلى الإنسانية لنصعد جميعا الى ذروة الكرامة الآدمية، إلى تحقيق معنى الاستخلاف رحمة عامة وعدلا شاملا حيث تتوفر به ومعه شروط الاختيار الإنساني الحر، و لا يساورنا شك انه بتوفرها لن يختار هذا الإنسان إلا أن يكون عبدا  لله اختيارا كما هو له عبد اضطرارا.

نعم هذا لا يخفى علينا وهو بوصلتنا الجماعية المنتظمة بهم مصيرنا الفردي عند الله على اي حال نلقاه جل وعلا، وعلى اي حال نلق الاحبة محمدا وصحبه ومن سبقنا من انبياء الله ورسل الله واهل الله.

وكيف نلق حبيبا دلنا على الله وعرفنا بالله؟ واكشتفنا بواسطته ومعه، عطاء من الكريم الوهاب، معنى المسؤولية التي ابت السموات والارضين أن يحملنها واشفقن منها.

 أنلقاه بالسكون في اركان بيوتنا خوفا من أن تدنسنا احوال البناء بفضلاتها او قهرا من غيرنا، او نلقاه ونحن نتنابز بالالقاب وكثرة القيل والقال، فنحرم في الدنيا من تأييد رب العزة ونصره الذي وعد به المؤمنين القائمين بنيانا مرصوصا، ونحرم في الآخرة من لذة النظر إلى وجهه الكريم والمجالسة على سرر متقابلين؟

رحلة العمر قصيرة نعم، لكن رحلة العمران طويلة. وكما يطوي سبحانه لمن شاء من عباده سلوكه القلبي اليه يطوي عز وجل طريق العمران لمن شاء من عباده.

وتدلل الأحداث والوقائع على أن  الحركة الإسلامية، وكذلك أبناء الحركة الإسلامية، ما لم تستف الصحبة امراضهم القلبية والنفسية والتنظيمية والحركية فلن يتخلصوا من الحبال والشراك الشيطانية الابليسية التي لا تعد أبوابها  ولا تحصى، ولن يعدوا أن يكونوا رقما من ارقام الوجود البشري حتى اذا اطلوا على مواقع الاختبار الحقيقية هوت بهم السفينة إلى قعر البحر لا قدر الله تعالى ولي المتقين وحبيب المحسنين.

الصحبة هي باب ومفتاح، وانه لا مشيخة بعد الامام المجدد رحمه الله عبد السلام ياسين لا في التربية ولا في الفكر ولا في الحركة ولا في التنظيم؛ وإنما صحبة وجماعة.

اما وقد استوت أرض الصحبة مع الامام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله وفتحت آفاق التجديد الشامل والعمران العظيم، فإن أعظم باب بقي للدخول على الله باب الجماعة والتفرغ الكلي لاستكمال بناء صروحها، جماعة الربانيين القائمين لله الدالين عليه على خطى المنهاج النبوي.

ومن لم يصبح همه الجامع بناء الجماعة ما ذاق طعم المنهاج ولا خطى سلوكا على خطواته.

 الجماعة كما كانت الصحبة هي المفتاح للدخول على بابها والعلم بها معنى ومبنى، فهذه الجماعة هي المفتاح العظيم عند استكمال شروط التربية للدخول على باب الصحبة والولوج إلى قلبها وكنزها الذي لا نهاية لعلومه ومعارفه وانواره.

وساعتها يتبين السالك على خطى المنهاج أنه لا نهاية للصحبة ولا نهاية لعلومها وما تورثه  للمستغرق فيها من انوار وأسرار المعرفة والعلم بالله تعالى؛ فلا تجده إلا متفرغا للعمران، قلبه وعقله هناك في مجالسة دائمة للصحابة مع رسول الله عليه صلاة الله وسلام الله تلمذة، واتباعا إذ تصبح جوارحه كلها فانية في خدمة المستضعفين على الأرض.

علم الجهاد وفقهه لا يلوذ به من لم تخرجه السابقة الإلهية عبر تجربته الشخصية موفقا بآداب المعاملة القلبية مع الله تعالى ومع المؤمنين، كل المؤمنين، والناس أجمعين تتويجا لرحلته الصادقة مع الجماعة تربية وتنظيما وزحفا.

هنا يكون السالك قد تأهل للدخول على قلب الصحبة وكنزها فيحتوش كرما من الله تعالى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من علم المنهاج النبوي؛ أي من كمال التطابق في اتباع سنة سيد الوجود الرحمة المهداة  والنعمة المزجاة عليه افضل الصلاة وازكى السلام و التحيات.

الجماعة حبل الله  الممدود من السماء إلى الأرض ليتشبت به المؤمنون والمسلمون والناس اجمعون ليحتموا من شراك إبليس وجبروت النفس وقبضة الطبع والهوى وطغيان الناس على الناس.

 كيف لا وقد فتلت هذا الحبل الصحبة وعمرته الصحبة وترعاه الصحبة الي يوم الدين حيث لا تحجبها برازخ الموت.

وانه لا جماعة من دون شورى ولا شورى من دون محبة خاصة وعامة وإلا كان الأمر زاوية وحياة من الدروشة والتبرك اوتنظيما من العادات أو تنظيما سياسيا وكفى.

الشورى حياة لا حدود لها لما تتخرج حركة الفرد والجماعة عبر رحلة الخصال العشر وشعب الإيمان للقيام للعمران العظيم.

واغلب الحركات الإسلامية ما تجاوزت مرحلة التأسيس و بعض امتدادها في الزمن لما لم تفلح في الانتقال الحكيم والكامل من مرحلة التأسيس إلى مرحلة الشورى والرجولة، وهي مرحلة الأقران الذين من دون النواظم الثلاث لا تستقيم حركتهم الجماعية فيؤثر ذلك في امتداد الصحبة ومواقع رجالها الأحياء، وهو ما يكون مصدر إرباك وارتباك قد لا يدركه الكثير.

، الصحبة اصل حام للشورى لا نتيجة انتخابية ، لأن الصحبة هي اصل الجماعة الساري في كل تفاصيلها وحياتها،  ومصادرها واوعيتها قلوب لا يرتبط وجودهم وحركتهم بالمراتب الهيكلية بل بحياة المحبة والشورى الناظمة لحركة الخصال العشر في الواقع اليومي، إذ بالمحبة تمتد الصحبة.

الجماعة مفتاح الدخول على كنز الصحبة لتحويله إلى نظام عام في حياة الأمة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والمال  ونظام العلاقات الدولية.

فمن يحرص على صحبة دون وصال الجماعة لا ببني عمرانا، ومن بحرص على الهياكل والأنظمة دون وصال الصحبة وامتدادها إنما هو منشط مجتمعي لا اقل ولا أكثر مهما كانت ارادته في التغيير والإصلاح.
فمفتاح الجماعة أعظم مفتاح سلمه الامام عبد السلام ياسين للأجيال وهي أعظم أمانة في اعناق آل العدل والإحسان..

اللهم لا تحرمنا من فقه الجماعة والعلم بها معنى ومبنى يا ولي المتقين وحبيب المحسنين لا تجعل في قلوبنا إلا للذين آمنوا  اجعلنا رحمة لأنفسنا للعالمين.  آمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه.

مبارك الموساوي